للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[البيع المبرور]

قوله: (وكل عمل مبرور) .

وهذا ما أشرنا إليه: أي نوع من أنواع الكسب، البيع هل هو في عمل الرجل بيده أم لا؟ فالبائع يأتي بالسلعة ويذهب إلى الدكان ويوزن ويعطي هذا وهذا.

إلخ، إذا انتهت البضاعة ذهب إلى تاجر الجملة وأتى بها، فهو يعمل بيده ورجله، ولكن لكون البيع المبرور من أميزها، والمبرور هنا: المفعول بالبر فهو: سالم من الغش، سالم من التدليس، سالم من غبن الجهال، سالم من انتهاز الفرص مع الحمقى، ومع الذين لا يعرفون الأسواق، فبعضهم إذا رأى إنساناً جاهلاً لا يدري عن شيء انتهز الفرصة ورفع الأسعار، وإذا رأى إنساناً حاذقاً ويعرف كل شيء تأدب معه فهذا ليس بيعاً مبروراً، بل يجب عليه أن يبر بيعه، وينصح إذا سئل عن سلعة معينة والآن في الوقت الحاضر مثلاً: هناك ماركة معينة راجت عند الناس، فيطلبها إنسان بالسماع، وهو لا يدري عنها، فجاء هذا البائع مستغلاً الفرصة وقال: هذا جاهل لا يدري كوعه من بوعه، فأعطاه سلعة غير الماركة المطلوبة، وقال له: هذه هي.

وذاك لا يدري، فهذا البيع ليس مبروراً، بل هو غش.

فالبيع المبرور: أولاً يتحرى فيه نوع السلعة وأنها حلال، ونوع السعر، فلا يستغل الضعاف في الزيادة والنقص، وإنما يعامل الناس معاملة واحدة، وقد يتفاوت البيع بعض الشيء فيتساهل مع هذا بواحد في المائة، ويزيد على هذا واحداً في المائة، فهذا يعوض هذا، المهم إلاّ يكون الغبن فاحشاً.

وأحياناً تكون السلعة موجودة عند البائع، ولكنه يقول: ما عندي، ولكن أنا أقدر أن آتي لك بها ولكن بزيادة قليلة!، وجد المشتري في حاجة إلى السلعة، ومضطراً إليها، فلو قال له: هي عندي، خذ، فإن المشتري سيساومه على الثمن، ولكنه يقول له: هذه السلعة معدومة، ولكن يمكن أن أوفرها لك من عند بعض التجار، ولكن بسعر فيه زيادة قليلة، ولماذا هذه اللفة الطويلة؟! من أجل الاحتيال على المشتري والزيادة في السعر! وكذلك من عدم البر في البيع: ترويج السلع بالأيمان فيحلف أيماناً بأنها الممتازة، والجيدة، والجديدة.

إلخ، وأن سعرها كذا وأنا تساهلت معك لماذا هذا كله؟! وأنت ترى إذا عرف تاجر في بلد بصدق الكلمة، وتوحيد السعر، كان موضع ثقة عند الجميع، وإذا عرف إنسان بعكس ذلك تجد الناس يتواصون بالحذر منه: فلان احذر منه! إذا جئته فانتبه منه! لماذا هذا؟! والتاجر الأمين مع النبيين والصديقين.

الأجير في عمله إذا عمل بيده فعليه أن يعمل عملاً مبروراً، فإن كان أجيراً باليوم فلا يضيع اليوم والزمن في الذهاب والإياب والمراوغة، فإذا أراد أن يصلي العصر تراه يذهب يتمشى، وبدلاً من أن يتوضأ يذهب يستحم، لماذا هذا كله؟ والبر في البيع بجميع أنواعه: هو الإخلاص، وعدم الغش، والنصح لله، ولعامة المسلمين، في تلك السلعة وفي غيرها، كذلك المشتري يجب عليه أن ينصح في الثمن، فلا يأتي بنقد مغشوش، ويقول: هذا البائع بدوي لا يدري المغشوش من الصحيح، ويقدمه له على أنه نقد صحيح فلو كانت معه ورقة خمسمائة ريال مزورة، وأعطاها لواحد بدوي لا يعرف الورق، ولا يعرف النقد، فهذا سينظر إلى الأصفار وسيرى الخمسة فيأخذها، ولكنه لا يعرف المزيف من غير المزيف.

إذاً: البر مطلوب من الجانبين: جانب البائع، وجانب المشتري.