للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[شرح حديث: (نهي عن بيع العنب حتى يسود)]

قال رحمه الله: [وعن أنس رضي الله تعالى عنه: (أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع العنب حتى يسود، وعن بيع الحب حتى يشتد) ، رواه الخمسة إلا النسائي وصححه ابن حبان والحاكم] .

تتمة لما تقدم: قال في حق النخيل: (حتى تحمار أو تصفار) ، (تفعال) ، هذه تدل على الشروع في الشيء والمضي فيه إلى الكمال، كما في قوله سبحانه: {قَالَتِ الأَعْرَابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ} [الحجرات:١٤] ، (ولما يدخل) يعني: يدخل ويستمر في دخوله إلى الكمال والتمام، فكذلك يحمار ويصفار، يعني: يبدأ اللون إلى أن يأتي في الكمال.

جاء في العنب: حتى يسود، وهل كل عنب سيسود؟ لا، هناك عنب أسود وأحمر وأبيض، وشريفي، وحجازي، ومصري، وبناتي.

العنب كثير، لماذا أسود بالذات؟ الذي أصله أسود حتى يسود، ويسواد على وزن يحمار ويصفار، ولكن العنب الأبيض الذي ليس فيه سواد! هلا تذكرتم الأسودين، حتى يسواد يعني: يجري فيه اللون الأسود كناية عن الماء، (شهرين: هلال وهلال وهلال لم يوقد في بيت محمد صلى الله عليه وسلم ناراً.

قال: فما كان طعامكم؟ قالت: الأسودان: التمر والماء) الماء إذا رأيته في مكان عميق رأيته أحمر أو أسود؛ لغزارة مائه، فيسود بمعنى يظهر فيه الماء، هو كان أخضر فيروزي، ثم لما وجد الماء فيه مال إلى السواد.

إذاً: حتى يسود بمعنى يجري فيه الماء، كما قال: (يتموه حلواً) .

قال: [ (وعن بيع الحب حتى يشتد) ] .

وكذلك بيع الحب في مزرعته، إنسان عنده عشرون فداناً، قمحاً، ثم جاء إنسان وقال: أريد أن أشتري منك مزرعتك هذه، فهل اشتراها ليحصدها علفاً، أو ليبقيها حتى يشتد الحب ويحصد ويذري؟ إن كان اشتراها لتكون علفاً فلا مانع، وإن كان اشترها ليبقيها في زرعها حتى يشتد الحب ويستحصد ويحصد ويدوس ويصفي ويأخذ حباً.

لا يجوز البيع حتى يشتد الحب في سنبله؛ لأنها قبل اشتداد الحب أول ما تكون الحبة فارغة، ثم يجري فيها اللبن، سبحان الله! من أين جاء هذا اللبن؟ الأرض ليس فيها لبن، الماء ما فيه لبن، عود القمح ما فيه لبن، حينما ينعقد هذا اللبن داخل غلاف الحبة ويشتد، قبل الاشتداد يسمى فريكاً فتفرك السنبلة وتأكلها، حب أخضر.

هذا لا يجوز، حتى يشتد وتريد أن تأكلها فصاحب الأسنان القوية هو الذي يستطيع أن يأكلها.

فإذا ما اشتد الحب في سنبله أمنت عليه الآفة، وإذا ما أردت أن تحصد فكيفما شئت، لكن لا يباع بقمح كيلاً، بل بالنقد، فإذا ما اشتراه نقداً بعد اشتداد حبه جاز، وقبل أن يشتد الحب لا يجوز بيعه.

وقلنا: إذا كان الشراء مراداً به التبقية حتى يحصد، أما إذا كان مراده بالشراء أخضر علف أو أي شيء آخر هذا ليس داخلاً في هذا.