للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

شرح حديث: (إذا صلى أحدكم إلى شيء يستره من الناس ... )

قال رحمه الله: [وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إذا صلى أحدكم إلى شيء يستره من الناس فأراد أحد أن يجتاز بين يديه فليدفعه، فإن أبى فليقاتله، فإنما هو شيطان) متفق عليه، وفي رواية (فإن معه القرين) ] .

حديث أبي سعيد رضي الله تعالى عنه موجه للمصلي.

وفي هذا الحديث إشكالات، فلو اتخذ المصلي سترة، وأراد إنسان أن يمر بين يديه، فقال في الحديث: (فليدفعه) أي: فليمنعه، وبأي صفة؟ رأينا في هذا المسجد النبوي الشريف بعض الأشخاص يصلي وكأنه يحمل وعاء غيظ وحقد، فإذا مر إنسان بين يديه فإذا به بكل قواه يدفعه! وهذا خطأ، يقول العلماء: دفع المار كدفع الصائل من إنسان أو حيوان ضعيف يدفع بالأسهل، فإن لم يندفع اشتد دفعه، فمثلاً: طفل صغير قام وهجم عليك، فتستطيع أن تدفعه بيدك برفق، فإذا أخذت عصاً غليظة وضربته لأنه صائل عليك فأصيب فأنت ضامن، فيجب عليك أن تتدرج في الدفع، فتشير إليه أو تدفعه برفق، فإن امتنع من هذا الدفع أو الإشارة زدت، فإن امتنع بعد هذا فيجوز أن تصل إلى حد المقاتلة.

وفي الحديث قال: (فليمنعه) ، وفي رواية: (فلا يتركه) ، وفي أخرى: (فلا يدعه) كما في الموطأ.

وقوله: (فإن أبى) أي: أشرت إليه فلم يبال، مددت يدك فنفضها، مسكت بثوبه فنفض يدك، وأصبح معانداً، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (فإن أبى فليقاتله) ، والمقاتلة قد تطلق على مجرد الخصومة، فلو رأيت اثنين يتنازعان كلاماً بينهما، تقول: هما يتقاتلان، وليس معنى (يقاتله) أن يحمل السلاح والترس والدرع ويقاتله من أجل المرور!! لا، بل (يقاتله) بمعنى: يدفعه بطريقة شديدة أكثر فأكثر؛ ولذا يقولون: لو اقتضى درأ المار إلى عمل كثير، كأن يمشي خطوات، ونحو ذلك مما يخرجه عن الصلاة، فإن هذا الفعل أشد خطراً من مجرد المرور، فقد يؤدي هذا إلى بطلان صلاته هو، وهناك من قال: يقاتله ولو أدى إلى موته!! فلو قاتله وقتله! فما الحكم؟ يقول الشافعي رحمه الله تعالى: عليه الدية في ماله، وبعض الشافعية يقولون: الدية على العاقلة؛ لأنه فعل فعلاً مأذوناً له فيه، والجمهور يقولون: لا يجوز أن يصل الحال إلى قتل المار، فإن أصيب بتلف فهناك من يقول: دمه هدر؛ لأن الرسول عليه الصلاة والسلام قال: يقاتله، وهناك من يقول: ما أراد بالمقاتلة أن تقتله أو تصل به إلى حد الإتلاف، إنما أراد المنع بدليل ما سيأتي: (ادرءوا ما استطعتم) ، فإذا لم تستطع أن ترده تركته، وقد أديت ما عليك، وكان الإثم عليه هو.

وقوله: (إنما هو شيطان) قالوا: مادة (شطن) بمعنى: بعد، أي: فهو بعد عن الاستجابة إليك، وبعد عن الاتباع للسنة، وبعد عن احترام المصلي في صلاته، فشيطنته عصيانه للأوامر، ورواية: (فإن معه القرين) تبين أنه ليس شيطاناً حقيقياً.

يروى (أنه صلى الله عليه وسلم رأى شاباً يتبع حمامة، فقال: شيطان يتبع شيطانة) ؛ لأن كلاً منهما متعص على الثاني، هي متعصية أن تقر له، وهو متعص عليها إلا أن يأخذها.

إذاً: كلمة (شيطان) قد تطلق على الشيطان حقيقة، وقد تطلق على شيء آخر، ومن الإنس شياطين كما قال: {شَيَاطِينَ الإِنسِ وَالْجِنِّ} [الأنعام:١١٢] ، فقوله: (إنما هو شيطان) بيان أنه مخالف، وفعله في ظاهره فعل الشياطين، وقد يكون معه يؤزه ويدفعه ويغريه، والله تعالى أعلم.