للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لَا يَزِيدُهُ إلَّا تَأْكِيدًا فَلَمْ يَكُنْ مُتَبَرِّعًا فَأَمَّا ضَمَانُ النَّفْسِ وَهُوَ تَسْلِيمُ نَفْسِ الْأَبِ أَوْ الْوَصِيِّ فَلَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ فَكَانَ مُتَبَرِّعًا فِيهِ فَلَمْ يَجُزْ (وَمِنْهَا) الْحُرِّيَّةُ وَهِيَ شَرْطُ نَفَاذِ هَذَا التَّصَرُّفِ فَلَا تَجُوزُ كَفَالَةُ الْعَبْدِ مَحْجُورًا كَانَ أَوْ مَأْذُونًا لَهُ فِي التِّجَارَةِ لِأَنَّهَا تَبَرُّعٌ وَالْعَبْدُ لَا يَمْلِكُهُ بِدُونِ إذْنِ مَوْلَاهُ وَلَكِنَّهَا تَنْعَقِدُ حَتَّى يُؤَاخَذَ بِهِ بَعْدَ الْعَتَاقِ لِأَنَّ امْتِنَاعَ النَّفَاذِ مَا كَانَ لِانْعِدَامِ الْأَهْلِيَّةِ بَلْ لِحَقِّ الْمَوْلَى وَقَدْ زَالَ بِخِلَافِ الصَّبِيِّ لِأَنَّهَا غَيْرُ مُنْعَقِدَةٍ مِنْهُ لِعَدَمِ الْأَهْلِيَّةِ فَلَا تَحْتَمِلُ النَّفَاذَ بِالْبُلُوغِ.

وَلَوْ أَذِنَ لَهُ الْمَوْلَى بِالْكَفَالَةِ فَإِنْ كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ لَمْ يَجُزْ لِأَنَّ إذْنَهُ بِالتَّبَرُّعِ لَمْ يَصِحَّ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ دَيْنٌ جَازَتْ كَفَالَتُهُ وَتُبَاعُ رَقَبَتُهُ فِي الْكَفَالَةِ بِالدَّيْنِ إلَّا أَنْ يَفْدِيَهُ الْمَوْلَى وَلَا تَجُوزُ كَفَالَةُ الْمُكَاتَبِ مِنْ الْأَجْنَبِيِّ لِأَنَّ الْمُكَاتَبَ عَبْدٌ مَا بَقِيَ عَلَيْهِ دِرْهَمٌ عَلَى لِسَانِ صَاحِبِ الشَّرْعِ وَسَوَاءٌ أَذِنَ لَهُ الْمَوْلَى أَوْ لَمْ يَأْذَنْ لِأَنَّ إذْن الْمَوْلَى لَمْ يَصِحَّ فِي حَقِّهِ وَصَحَّ فِي حَقِّ الْقِنِّ وَلَكِنَّهُ يَنْعَقِدُ حَتَّى يُطَالَبَ بِهِ بَعْدَ الْعَتَاقِ وَلَوْ كَفَلَ الْمُكَاتَبُ أَوْ الْمَأْذُونُ عَنْ الْمَوْلَى جَازَ لِأَنَّهُمَا يَمْلِكَانِ التَّبَرُّعَ عَلَيْهِ وَأَمَّا صِحَّةُ بَدَنِ الْكَفِيلِ فَلَيْسَ بِشَرْطٍ لِصِحَّةِ الْكَفَالَةِ فَتَصِحُّ كَفَالَةُ الْمَرِيضِ لَكِنْ مِنْ الثُّلُثِ لِأَنَّهَا تَبَرُّعٌ.

(وَأَمَّا) الَّذِي يَرْجِعُ إلَى الْأَصِيلِ.

فَنَوْعَانِ أَحَدُهُمَا أَنْ يَكُونَ قَادِرًا عَلَى تَسْلِيمِ الْمَكْفُولِ بِهِ إمَّا بِنَفْسِهِ وَإِمَّا بِنَائِبِهِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ فَلَا تَصِحُّ الْكَفَالَةُ بِالدَّيْنِ عَنْ مَيِّتٍ مُفْلِسٍ عِنْدَهُ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ تَصِحُّ.

(وَجْهُ) قَوْلِهِمَا أَنَّ الْمَوْتَ لَا يُنَافِي بَقَاءَ الدَّيْنِ لِأَنَّهُ مَالٌ حُكْمِيٌّ فَلَا يَفْتَقِرُ بَقَاؤُهُ إلَى الْقُدْرَةِ وَلِهَذَا بَقِيَ إذَا مَاتَ مَلِيًّا حَتَّى تَصِحَّ الْكَفَالَةُ بِهِ وَكَذَا بَقِيَتْ الْكَفَالَةُ بَعْدَ مَوْتِهِ مُفْلِسًا وَإِذَا مَاتَ عَنْ كَفِيلٍ تَصِحُّ الْكَفَالَةُ عَنْهُ بِالدَّيْنِ فَكَذَا يَصِحُّ الْإِبْرَاءُ عَنْهُ وَالتَّبَرُّعُ.

(وَجْهُ) قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الدَّيْنَ عِبَارَةٌ عَنْ الْفِعْلِ وَالْمَيِّتُ عَاجِزٌ عَنْ الْفِعْلِ فَكَانَتْ هَذِهِ كَفَالَةٌ بِدَيْنٍ سَاقِطٍ فَلَا تَصِحُّ كَمَا كَفَلَ عَلَى إنْسَانٍ بِدَيْنٍ وَلَا دَيْنَ عَلَيْهِ وَإِذَا مَاتَ مَلِيًّا فَهُوَ قَادِرٌ بِنَائِبِهِ وَكَذَا إذَا مَاتَ عَنْ كَفِيلٍ لِأَنَّهُ قَائِمٌ مَقَامَهُ فِي قَضَاءِ دَيْنِهِ.

(وَأَمَّا) الْإِبْرَاءُ وَالتَّبَرُّعُ فَهُمَا فِي الْحَقِيقَةِ إبْرَاءٌ عَنْ الْمُؤَاخَذَةِ بِسَبَبِ الْمُمَاطَلَةِ فِي قَضَاءِ الدَّيْنِ وَالتَّبَرُّعِ بِتَخْلِيصِ الْمَيِّتِ عَنْ الْمُؤَاخَذَةِ بِسَبَبِ التَّقْصِيرِ بِوَاسِطَةِ إرْضَاءِ الْخَصْمِ بِهِبَةِ هَذَا الْقَدْرِ مِنْهُ فَإِمَّا أَنْ يَكُونَ إبْرَاءً عَنْ الدَّيْنِ وَتَبَرُّعًا بِقَضَائِهِ حَقِيقَةً فَلَا عَلَى مَا عُرِفَ فِي الْخِلَافِيَّاتِ وَالثَّانِي أَنْ يَكُونَ مَعْلُومًا بِأَنْ كَفَلَ مَا عَلَى فُلَانٍ فَأَمَّا إذَا قَالَ عَلَى أَحَدٍ مِنْ النَّاس أَوْ بِعَيْنٍ أَوْ بِنَفْسٍ أَوْ بِفِعْلٍ فَلَا يَجُوزُ لِأَنَّ الْمَضْمُونَ عَلَيْهِ مَجْهُولٌ وَلِأَنَّ الْكَفَالَةَ جَوَازُهَا بِالْعُرْفِ وَالْكَفَالَةُ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ غَيْرُ مَعْرُوفَةٍ فَأَمَّا حُرِّيَّةُ الْأَصِيلِ وَعَقْلُهُ وَبُلُوغُهُ فَلَيْسَتْ بِشَرْطٍ لِجَوَازِ الْكَفَالَةِ لِأَنَّ الْكَفَالَةَ بِمَضْمُونِ مَا عَلَى الْأَصْلِ مَقْدُورُ الِاسْتِيفَاءِ مِنْ الْكَفِيلِ وَقَدْ وُجِدَ أَمَّا الْعَبْدُ فَلِأَنَّ الدَّيْنَ وَاجِبٌ عَلَيْهِ وَيُطَالِبُ بِهِ فِي الْجُمْلَةِ فَأَشْبَهَ الْكَفَالَةَ بِالدَّيْنِ الْمُؤَجَّلِ وَأَمَّا الصَّبِيُّ وَالْمَجْنُونُ فَلِأَنَّ الدَّيْنَ فِي ذِمَّتِهِمَا وَالْوَلِيُّ مُطَالِبٌ بِهِ فِي الْحَالِ وَيُطَالَبَانِ أَيْضًا فِي الْجُمْلَةِ وَهُوَ مَا بَعْدَ الْبُلُوغِ وَالْإِفَاقَةِ فَتَجُوزُ الْكَفَالَةُ عَنْ الْعَبْدِ وَإِنْ كَانَ مَحْجُورًا وَعَنْ الصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ إلَّا أَنَّ الْكَفِيلَ لَا يَمْلِكُ الرُّجُوعَ عَلَيْهِمْ بِمَا أَدَّى وَإِنْ كَانَتْ الْكَفَالَةُ بِإِذْنِهِمْ لِمَا نَذْكُرُ فِي مَوْضِعِهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَكَذَا لَا يُشْتَرَطُ حَضْرَتُهُ فَتَجُوزُ الْكَفَالَةُ عَنْ غَائِبٍ أَوْ مَحْبُوسٍ لِأَنَّ الْحَاجَةَ إلَى الْكَفَالَةِ فِي الْغَالِبِ فِي مِثْلِ هَذِهِ الْأَحْوَالِ فَكَانَتْ الْكَفَالَةُ فِيهِمَا أَجْوَزَ مَا يَكُونُ.

(وَأَمَّا) الَّذِي يَرْجِعُ إلَى الْمَكْفُولِ لَهُ.

فَأَنْوَاعٌ (مِنْهَا) أَنْ يَكُونَ مَعْلُومًا حَتَّى أَنَّهُ إذَا كَفَلَ لِأَحَدٍ مِنْ النَّاسِ لَا تَجُوزُ لِأَنَّ الْمَكْفُولَ لَهُ إذَا كَانَ مَجْهُولًا لَا يَحْصُلُ مَا شُرِعَ لَهُ الْكَفَالَةُ وَهُوَ التَّوَثُّقُ (وَمِنْهَا) أَنْ يَكُونَ فِي مَجْلِسِ الْعَقْدِ وَأَنَّهُ شَرَطَ الِانْعِقَادَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ إذَا لَمْ يَقْبَلْ عَنْهُ حَاضِرٌ فِي الْمَجْلِسِ حَتَّى أَنَّ مَنْ كَفَلَ لِغَائِبٍ عَنْ الْمَجْلِسِ فَبَلَغَهُ الْخَبَرُ فَأَجَازَ لَا تَجُوزُ عِنْدَهُمَا إذَا لَمْ يَقْبَلْ عَنْهُ حَاضِرٌ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ رِوَايَتَانِ وَظَاهِرُ إطْلَاقِ مُحَمَّدٍ فِي الْأَصْلِ أَنَّهَا جَائِزَةٌ عَلَى قَوْلِهِ الْآخَرِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْمَجْلِسَ عِنْدَهُ لَيْسَ شَرْطًا أَصْلًا لَا شَرْطَ النَّفَاذِ وَلَا شَرْطَ الِانْعِقَادِ لِأَنَّ مُحَمَّدًا رُبَّمَا يُطْلِقُ الْجَوَازَ عَلَى النَّافِذِ فَأَمَّا الْمَوْقُوفُ فَنُسَمِّيه بَاطِلًا إلَّا أَنْ يُجِيزَ وَهَذَا الْإِطْلَاقُ صَحِيحٌ لِأَنَّ الْجَائِزَ هُوَ النَّافِذُ فِي اللُّغَةِ يُقَالُ جَازَ السَّهْمُ إذَا نَفَذَ.

(وَجْهُ) قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ الْآخَرِ مَا ذَكَرْنَا فِي صَدْرِ الْكِتَابِ أَنَّ مَعْنَى هَذَا الْعَقْدِ لُغَةً وَشَرْعًا وَهُوَ الضَّمُّ وَالِالْتِزَامُ يَتِمُّ بِإِيجَابِ الْكَفِيلِ فَكَانَ إيجَابُهُ كُلَّ الْعَقْدِ وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ مَسْأَلَةُ الْمَرِيضِ.

(وَجْهُ) قَوْلِهِمَا مَا ذَكَرْنَا أَنَّ فِيهِ مَعْنَى التَّمْلِيكِ أَيْضًا وَالتَّمْلِيكُ لَا يَقُومُ إلَّا بِالْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ فَكَانَ الْإِيجَابُ وَحْدَهُ شَطْرَ الْعَقَدِ فَلَا يَقِفُ عَلَى غَائِبٍ

<<  <  ج: ص:  >  >>