للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

مذهب الشافعِيّ أيضًا، ويُفتِي فيه لمن سأله، لا يمنع من ذلك، فإنما هو زيادة علم وفضيلة، وهو بمنزلة مَنْ يعرفُ مذهَبَين أو أكثر، ولكن يعتقِدُ مذهبا واحدا، ويُنْسَبُ إليه. فإن قيل: كيف حَلَّ له مباشرة بعض مدارس الشافعية، وأخذ مَعْلومها، كما سيأتي، مع كون ذلك مُخالفا لشَرْط الواقف بها، وهو لا يجوز؟ قُلتُ: يُمْكِنُ أن يُجاب بأن الشّيْخ، رحمه الله تعالى، كان يرى أن المدرِّس يستحقّ الجامَكِيَّة على معرفة المذهب، ونشْره إياه، لا على اعْتقاده، والتعَبّدِ به، وفاقا لما نقَلَه الشيخ سراج الدين ابن الملَقِّن، في "طبقات الشافعية"، عن عِزِّ الدين بن عبد السلام الشافعِيّ.

قال الحافظ السّيوطِيّ في حق صاحب الترجمة: كان يحُلُّ "الكشّاف"، و"الحاوي" حلّا إليه المنْتهَى، حتى يُظَنَّ أنَّه يحفظهما، ويُحْسِنُ إلى الطَّلبة بجاهه وماله، مع الدين المتين، والتواضع الزائد، والعظمة، وكثرة الخير، وعدم الشَّرِّ.

ولما قدم "القاهرة"، استقرَّ في تدريس الشافعية بـ "الشيوخونِيّة"، ومشيخة البِيبَرْسِيَّة.

وكان اسمه عُبيد الله، فكان لا يرضَى ذلك، ولا يكتبُه، لموافقته اسم عُبَيْد الله بن زياد، قاتل الحسين رضي الله تعالى عنه، ولعَن قاتلَه.

وكانت لحيتُه طويلة بحيث تصل إلى قدميه، ولا ينام إلا وهي في كِيس، وإذا ركب تَنْفرِق فِرْقتين، فكان عَوَامُّ "مصر" يقولون إذا رأوه: سُبحان الخالق، فيقول هو: عَوامُّ مصر مؤمنون حقَّا؛ لأنّهم يستدلّون بالصنعة على الصانع.

أخذ عنه الشيخ عِزُّ الدين ابن جماعة، والولِيُّ العِراقِيُّ، وغَيرهما.

وروَى عنه البُرهان الحلبِيُ، وغيرُه.

ومات في ذي الحجّة، سنة ثمانين وسبعمائة.

وكتب إليه، طاهر بن حبيب، رحمه الله تعالى (١):


(١) بغية الوعاة ٢: ١٤، والدرر ٢: ٣١٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>