للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

أعاذل أن الْجُود لَيْسَ بمهلكي … وَلَا يخلد النَّفس الشحيحة لؤمها

وتذكر أخلاق الْفَتى وعظامه … مغيبة فِي الأرض بَال رميمها

ولنكتب من أياديه مِثَالا، وتفاصيله إجمالا، بَينا هُوَ جَالس فِي مَجْلِسه وقاعد فِي محافل أنسه، إذ دخل عَلَيْهِ سَائل بدمع سَائل ولباس فقر هائل، فسارع نَحوه بالاحترام، وقصده بِالْعَطِيَّةِ والإنعام، فأمر بإحضار سِتِّينَ درهما، فإذا غلط الْخَادِم، وأتى بِالدَّنَانِيرِ مَكَان الدَّرَاهِم، فَمَا استكثره، وَمَا استكبره، بل استقلّه، واستصغره، وأعطاه جملَة الدَّنَانِير.

فكاد السَّائِل من فرحه يطير، حَيْثُ وصل فَوق بغيته، وَأكْثر من أمنيته، وَلما جمع الْمولى محي الدّين المشتهر بسباهي زَاده حَوَاشِيه، الَّتِي علقها على "حَاشِيَة التَّجْرِيد" للشريف الْجرْجَانِيّ، صدرها باسمه، وعرضها عَلَيْهِ، أعطاه مائَة دِينَار، ومدرسة بِثَلَاثِينَ، وَقد حسب مَا حصل لَهُ مُدَّة قَضَائِهِ بالعسكر، فَبلغ إلى سبعين ألف دِينَار، وَمَات رَحمَه الله وَعَلِيهِ أربعة آلَاف دِينَار.

وَبِالْجُمْلَةِ: كَانَ رَحمَه الله للْعُلَمَاء خَاتمًا، وللأجواد خَاتمًا، وَفِي الْجُود حاتما، وَكَانَ فِي طرف عَال من تَعْظِيم شَعَائِر الله، وَكَانَ من عَادَته أنه لَا يكْتب شيأ بالقلم الَّذِي يكْتب بِهِ اسْم الله عزّ وَجّل.

وَمن عَادَته: أنه لَا ينَام، وَلَا يضطجع فِي بَيت كتبه، تَعْظِيمًا للْعلم الشريف، وَقد كتب رَحمَه اللهْ تَعَالَى عدَّة مقالات على منوال "مقامات الحريري"، وَكتب حَاشِيَة على "الْبَيْضَاوِيّ" من أول الْكتاب إلى سورة طه، وعلق حَوَاشِي على حَاشِيَة الْمولى جلال الدّين الدوَّاني لـ "لتجريد"، وَكتب أشياء أخر، إلا أنها لم تظهر بعد مَوته.

<<  <  ج: ص:  >  >>