للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وقوله: "مزمارًا من مزامير آل داود": قال النووي: قَالَ الْعُلَمَاء: الْمُرَاد بِالْمِزْمَارِ هُنَا الصَّوْت الْحَسَن، وَأَصْل الزَّمْر الْغِنَاء، وَآلُ دَاوُدَ هُوَ دَاوُدُ نَفْسه، وَآلُ فُلَان قَدْ يُطْلَق عَلَى نَفْسه، وَكَانَ دَاوُدُ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَسَن الصَّوْت جِدًّا " (١)

ومما يؤيد كلام النووي ويؤكده أن المراد بِالْمِزْمَارِ هُنَا الصَّوْت الحسن لا الألحان- قوله- صلى الله عليه وسلم- لأبي موسى (أُوتِيتَ) -بتاء المخاطب- بما لم يسم فاعله، مما يدل على أن الذي وهبه الصوتَ الحسن هو اللهُ سبحانه وتعالى، وأنه لم يحصل له ذلك بالتعلم والتمرن والتريض.

قال ابن الأثير (ت: ٦٠٦ هـ) -رحمه الله- في "النهاية":

وفي حديث أبي موسى سَمِعه النبي - صلى الله عليه وسلم - يقرأ فقال: (أُعْطِيتَ مزْمارا من مَزَامِير آلِ دَاودَ). شبَّه حُسنَ صَوته وحلاوة نَغْمَته بصوت المِزْمارِ. وداودُ هو النبي- عليه السلام- وإليه المُنْتَهى في حُسْن الصَّوت بالقراءةِ. (٢)

وقال ابن خلدون (ت: ٨٠٨ هـ) -رحمه الله-:

وأما قوله- صلى الله عليه وسلم - (لَقَدْ أُوتِيتَ مِزْمَارًا مِنْ مَزَامِيرِ آلِ دَاوُدَ) فليس المراد به الترديد والتلحين، إنما معناه حسن الصوت وأداء القراءة والإبانة في مخارج الحروف والنطق بها. (٣)

وقول أبي موسى "لحبرتّه لك تحبيرًا"

يُرِيدُ لَجَعَلْته لَك أَنْوَاعًا حِسَانًا، وَهُوَ التَّلْحِينُ، مَأْخُوذٌ مِنْ الثَّوْبِ الْمُحَبَّرِ، وَهُوَ الْمُخَطَّطُ بِالْأَلْوَانِ.

وَالْقُلُوبُ تَخْشَعُ بِالصَّوْتِ الْحَسَنِ كَمَا تَخْضَعُ لِلْوَجْهِ الْحَسَنِ، وَمَا تَتَأَثَّرُ بِهِ الْقُلُوبُ فِي التَّقْوَى فَهُوَ أَعْظَمُ فِي الْأَجْرِ وَأَقْرَبُ إلَى لِينِ الْقُلُوبِ وَذَهَابِ الْقَسْوَةِ مِنْهَا.

وَالْأَصْوَاتُ الْحَسَنَةُ نِعْمَةٌ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى، وَزِيَادَةٌ فِي الْخَلْقِ وَمِنَّةٌ. وَأَحَقُّ مَا لُبِّسَتْ هَذِهِ الْحُلَّةُ النَّفِيسَةُ وَالْمَوْهِبَةُ الْكَرِيمَةُ كِتَابُ اللَّهِ؛ فَنِعَمُ اللَّهِ إذَا صُرِفَتْ فِي الطَّاعَةِ فَقَدْ قُضِيَ بِهَا حَقُّ النِّعْمَةِ. (٤)

يقول سماحة شيخنا الإمام ابن باز (ت: ١٤٢٠ هـ) -رحمه الله-:

لم ينكر عليه النبي عليه الصلاة والسلام ذلك؛ فدل على أن تحبير الصوت وتحسين الصوت والعناية بالقرآن أمر مطلوب؛ ليخشع القارئ والمستمع، ويستفيد هذا وهذا.


(١) شرح النووي على صحيح مسلم ج ٣ ص ١٤٦
(٢) النهاية، لابن الأثير (٢/ ٧٧٨).
(٣) - تاريخ ابن خلدون (١/ ٤٢٦).
(٤) -أحكام القرآن، لابن العربي المالكي (٤/ ١٥٩٥)

<<  <   >  >>