للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

قال: وفي هذا الموضع يعرض الغلط لطائفتين من الناس:

إحداهما: يرون الرجل قد أخرج له في الصحيح فيحكمون بصحة كل ما رواه، حيث رأوه في حديث قالوا: هذا حديث صحيح على شرط الصحيح! وهو غلط؛ فإن ذلك الحديث قد يكون مما أُنْكِرَ عليه من حديثه، أو يكون شاذًّا أو معلَّلاً، فلا يكون من شرط أصحاب الصحيح، بل ولا يكون حسنًا، وقد أخرج البخاري حديث جماعة ونكب على بعضها خارج الصحيح.

والثانية: يرون الرجل قد تُكُلِّمَ فيه وقد ضعِّفَ، فيجعلون ما قيل فيه من كلام الحفاظ موجبًا لترك جميع ما رواه، ويضعفون ما صح من حديثه لطعن من طعن فيه، كما يقول ابن حزم ذلك في إسرائيل وغيره من الثقات، وكذلك أين الأئمة وذوقهم؟ انتهى.

ويلتحق بذلك أمر ثالث: وهو أنهم يرون الرجل ترك الشيخان حديثه فيجعلون ذلك قدحًا فيه، وهذا ظاهر تصرف البيهقي في كتابه "السنن" و"المعرفة"؛ كثيراً ما يُعَلِّل الأحاديثَ بأن رواتَها لم يخرج لهم الشيخان!

والحقُّ: أنه لا يدل على ذلك كما لا يدل تركهما ما لم يخرجا من الأحاديث الصحيحة على ضعفها، وبه صرح الإسماعيلي في المدخل، وقال: تركه الرواية عن حماد بن سلمة ونحوه كتركه كثيراً من الأحاديث الصحيحة على شرطه، لا لضعفها وإسقاطها.

وقال الحافظ أبو نعيم الأصبهاني في كتابه المدخل أيضًا: وعلى مصنفاتهم في العلل وسؤالاتهم يعتمد في الجرح والتعديل، لا على كتاب بنوا فيه على أصل وشرطوا لأنفسهم فيه شروطًا، انتهى" (١).

* * *


(١) انظر: "النكت على مقدمة ابن الصلاح" للزركشي (٣/ ٣٥٣).

<<  <   >  >>