للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وإن حقيقة الروح لا تزال سرا من أمر الله لا يعلمها أحد سواه، نرى مظاهر وجودها، ولا نعرف حقيقة أمرها، لقد عرف ابن الانسان الكون وظواهره، وأدرك بالاستقراء الأفلاك، وأبراجها وارتفع ابن الأرض إلى السماء، ووصل إلى القمر، بأسباب المادة، لكنه إلى الآن لا يعرف حقيقة الروح ولا كنهها، وإن كان يعرف بعض ظواهرها، وأعراضها.

٣٩٩- وسألوه عن ذى القرنين ما هو وما كان أمره، وما فعله، فذكر الله سبحانه وتعالى السؤال، وأعلم النبى صلى الله تعالى عليه وسلم بالجواب في قول الله سبحانه وتعالى:

وَيَسْئَلُونَكَ عَنْ ذِي الْقَرْنَيْنِ، قُلْ سَأَتْلُوا عَلَيْكُمْ مِنْهُ ذِكْراً. إِنَّا مَكَّنَّا لَهُ فِي الْأَرْضِ وَآتَيْناهُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ سَبَباً. فَأَتْبَعَ سَبَباً. حَتَّى إِذا بَلَغَ مَغْرِبَ الشَّمْسِ وَجَدَها تَغْرُبُ فِي عَيْنٍ حَمِئَةٍ، وَوَجَدَ عِنْدَها قَوْماً، قُلْنا يا ذَا الْقَرْنَيْنِ، إِمَّا أَنْ تُعَذِّبَ، وَإِمَّا أَنْ تَتَّخِذَ فِيهِمْ حُسْناً. قالَ أَمَّا مَنْ ظَلَمَ فَسَوْفَ نُعَذِّبُهُ، ثُمَّ يُرَدُّ إِلى رَبِّهِ فَيُعَذِّبُهُ عَذاباً نُكْراً. وَأَمَّا مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صالِحاً، فَلَهُ جَزاءً الْحُسْنى، وَسَنَقُولُ لَهُ مِنْ أَمْرِنا يُسْراً.

ثُمَّ أَتْبَعَ سَبَباً. حَتَّى إِذا بَلَغَ مَطْلِعَ الشَّمْسِ وَجَدَها تَطْلُعُ عَلى قَوْمٍ لَمْ نَجْعَلْ لَهُمْ مِنْ دُونِها سِتْراً. كَذلِكَ وَقَدْ أَحَطْنا بِما لَدَيْهِ خُبْراً. ثُمَّ أَتْبَعَ سَبَباً. حَتَّى إِذا بَلَغَ بَيْنَ السَّدَّيْنِ وَجَدَ مِنْ دُونِهِما قَوْماً لا يَكادُونَ يَفْقَهُونَ قَوْلًا. قالُوا يا ذَا الْقَرْنَيْنِ إِنَّ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ، فَهَلْ نَجْعَلُ لَكَ خَرْجاً، عَلى أَنْ تَجْعَلَ بَيْنَنا وَبَيْنَهُمْ سَدًّا. قالَ ما مَكَّنِّي فِيهِ رَبِّي خَيْرٌ، فَأَعِينُونِي بِقُوَّةٍ أَجْعَلْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ رَدْماً. آتُونِي زُبَرَ الْحَدِيدِ، حَتَّى إِذا ساوى بَيْنَ الصَّدَفَيْنِ، قالَ انْفُخُوا، حَتَّى إِذا جَعَلَهُ ناراً، قالَ آتُونِي أُفْرِغْ عَلَيْهِ قِطْراً. فَمَا اسْطاعُوا أَنْ يَظْهَرُوهُ، وَمَا اسْتَطاعُوا لَهُ نَقْباً. قالَ هذا رَحْمَةٌ مِنْ رَبِّي، فَإِذا جاءَ وَعْدُ رَبِّي جَعَلَهُ دَكَّاءَ، وَكانَ وَعْدُ رَبِّي حَقًّا.

(سورة الكهف: ٨٣: ٩٨)

هذا سؤال قصد به الإعجاز، وإذا عجز محمد عليه الصلاة والسلام عن الإجابة طاروا فرحا، وألقوا بالريب في النفوس، وذلك ما يقصدون، وإليه يهدفون.

ولكن الإجابة كانت علما غزيرا، وتتبعا دقيقا لسيرة ذى القرنين، وما كان له من أعمال لها أثر وذكر ولسان صدق، وكان ذلك البيان العجيب الصادق مسترعيا لعقول وقلوب الذين يستمعون إليه، فكان أثر الإجابة حجة لأهل الإيمان مثبتا لدينهم الذى ارتضوا.

<<  <  ج: ص:  >  >>