للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولقد حاول الشيخ محمد الطاهر بن عاشور تسويغ عقد المصنف لهذا الفصل ضمن مباحث الأصول، فقال: ((ذكر في هذا الفصل قواعد وضوابط تتفرّع عنها تصاريف أبواب الفقه، وتفيد العالم بها ملكةً يفهم بها خواص الأبواب وفروقها، فلا تكاد تشتبه عليه أحكام الأبواب المتشابهة، وذلك عون كبير على فقه القضاء والفتوى.

ويُعبّر عن هاته الضوابط والقواعد والكليات بـ" الأصول القريبة "؛ لأنها تتفرع عنها أحكام فقهية، ووصِفتْ بالقرب؛ لأن علاقتها بالفقه أقرب من علاقة مسائل الأصول المتعارفة به، حتى إنك تجد كثيراً منها عبارةً عن مسائل فقهية مدونة بكيفيةٍ كليةٍ تنطبق على أبواب كثيرة، وهي نفسها متفرِّعة عن دلائل الفقه الإجمالية التي هي الأصول المتعارفة. فإذا نُظر إليها بالنسبة لعلم الأصول كانت فروعاً، وإذا نظر إليها بالنسبة لجمعها فروعاً كثيرةً في جهةٍ واحدة بحيث يمكن للفقيه أن يستحضر بسببها بعض الفروع كانت أصولاً، فسمَّوها " القريبة " للاحتراز عن أصول الفقه.

وقد ذكر المصنف هنا منها طائفةً نافعة بعد فراغه من أصول الفقه قصداً لجعلها برزخاً بين الأصول وبين الفقه الذي ذكره في كتابه " الذخيرة " التي جعل لها هذا الكتاب توطئةً كما قدَّمه في الديباجة)) (١) .

ثمَّ إن اختتام الكتاب بمثل هذا الفصل النافع الجامع لتصرفات المكلفين لعلَّه تمشّياً مع عادة مالكية حميدة، امتازت بها طريقة التصنيف عندهم، ولهذا لا عجب أن ختم القرافي كتابه " الذخيرة " بكتاب الجامع، وعبّر عن سرِّ صنيعه هذا بقوله: ((وهذا الكتاب (يقصد: الجامع) يختصُّ بمذهب مالك، ولا يوجد في تصانيف غيره من المذاهب، وهو من محاسن التصنيف؛ لأنه تقع فيه مسائل لا يناسب وضعها في رُبْعٍ من أرباع الفقه، أعني: العبادات، والمعاملات، والأنكحة، والجنايات. فجمعها المالكية في أواخر تصانيفهم وسمَّوْها بـ" الجامع " أي: جامع الأشتات من المسائل التي

لا تناسب غيره من الكتب، وهي ثلاثة أجناس: ما يتعلق بالعقيدة، وما يتعلق

بالأقوال، وما يتعلق بالأفعال. . .)) (٢) .


(١) حاشية التوضيح والتصحيح لمشكلات كتاب التنقيح ٢ / ٢٣٣. .
(٢) انظر: الذخيرة ١٣ / ٢٣١ - ٢٣٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>