للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

من اتبع الهدى «١» .

هاتان الرسالتان المتبادلتان بين الخليفة المأمون والإمبراطور تيوفيلوس من الوثائق المهمة في تاريخ العلاقات الإسلامية البيزنطية «٢» ؛ لأنهما تضمنتا كثيرا من العبارات التي تحض على المسالمة وتجنب الحروب، وتمهيد السبل لاتصال التجارة والمرافق، وفك الأسرى ... إلخ.

وهذه العبارات لم تأت في الرسالتين جزافا، بل إن كلّا من العاهلين الكبيرين كان يعني ما يقول، مما يدل على الرغبة القوية في السلام- رغم ما في الرسالتين من نغمات التهديد- بل أكثر من ذلك فإننا لو تأملنا قول الإمبراطور للخليفة: «ونكون كل واحد لكل واحد وليّا وحزبا» لأدركنا أنه يهدف إلى أكثر من المسألة والتعاون، فهو يقترح التحالف والصداقة بين الدولتين، ولذلك ليس صائبا قول الأستاذ فازيليف «إن دعوة المأمون تيوفيلوس إلى الدخول في الإسلام لم تكن حرية أن تؤدي إلى سلام بين الملكين» «٣» ؛ لأن دعوة الخليفة المسلم للإمبراطور البيزنطي إلى الدخول في الإسلام لم تكن دعوة جبرية، وإنما تلك الدعوة إلى الإسلام أصبحت من التقاليد الإسلامية الراسخة، منذ أرسل الرسول صلّى الله عليه وسلم رسائله في العام السابع الهجري إلى ملوك ورؤساء وأمراء العالم يدعوهم فيها إلى الدخول في الإسلام، لذلك درج الخلفاء على هذه السنة النبوية في دعوة نظرائهم من الملوك للدخول في الإسلام بالحكمة والموعظة الحسنة، ولذلك كانت عبارة المأمون إلى الإمبراطور هي: «غير أني رأيت أن أتقدم إليك بالموعظة التي يثبت الله بها عليك الحجة من الدعاء لك ولمن معك إلى الوحدانية والشريعة الحنيفية» فدعوة سلمية كهذه لم يكن لها أن تمنع قيام السلام بين دولتين راغبتين في السلام والتعايش السلمي وقد سبق أن ذكرنا أن الخليفة الأموي، عمر بن عبد العزيز أرسل رسالة مماثلة إلى معاصره، الإمبراطور البيزنطي ليون الثالث الإيسوري، يدعوه إلى الدخول في الإسلام، ولم يغضب الإمبراطور من تلك الرسالة- ولم يسلم طبعا- واستمرت العلاقات سلمية بل ودية بينهما، كما سبق وأن أشرنا.


(١) المصدر السابق (٨/ ٦٢٩، ٦٣٠) .
(٢) تبادل الخليفة والإمبراطور رسائل كثيرة غير هاتين الرسالتين، في مناسبات كثيرة.
(٣) فازيليف: العرب والروم، الترجمة العربية (ص ١٠٩) .

<<  <   >  >>