للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

البداية؛ فلما قامت الدولة العباسية زاد الاهتمام بالعلوم غير الإسلامية بحكم التطور، وحدثت وثبة علمية من أعظم الوثبات في تاريخ الأمم والحضارات، فأنشأ الخليفة هارون الرشيد بيت الحكمة في بغداد، وهي أول أكاديمية علمية- فيما نظن- تعنى بالعلوم والترجمة، وقد حشد لها الرشيد ومن أتى بعده من الخلفاء جمعا من أعظم العلماء النابهين في ترجمة الكتب، وكان جلهم من السريان المسيحيين «١» ، وجد الخلفاء العباسيون في البحث عن المخطوطات الإغريقية في شتى العلوم في كل مكان استطاعوا الوصول إليه، ومن أجل هذا أوفدوا الوفود والبعثات العلمية إلى الدولة البيزنطية للحصول على الكتب وإحضارها إلى بيت الحكمة وترجمتها، ولم يكتفوا بما حصلوا عليه من المراكز العلمية التي أصبحت تحت أيديهم، بل دأب الخلفاء على إيفاد البعثات لطلب الكتب من الأباطرة البيزنطيين، فقد أرسل الخليفة أبو جعفر المنصور (١٣٦- ١٥٨ هـ/ ٧٥٨- ٧٧٤ م) إلى الإمبراطور البيزنطي يطلب كتبا يونانية، فأجابه الإمبراطور إلى طلبه وأرسل إليه كتبا كان منها كتاب إقليدس «أصول الهندسة» «٢» .

ومن أهم البعثات العلمية التي ذهبت من بغداد إلى البلاد البيزنطية للبحث عن الكتب تلك التي رأسها قسطا بن لوقا، الذي يقول عنه القفطي: «قسطا بن لوقا فيلسوف شامي نصراني في أيام العباسيين، دخل بلاد الروم، وحصل من تصانيفهم الكثير، وعاد إلى الشام، واستدعي إلى بغداد ليترجم كتبا يستخرجها من لسان يونان إلى لسان العرب، وعاصر يعقوب الكندي، وكان قسطا متحققا بعلم العدد والهندسة والنجوم والمنطق والعلوم الطبيعية، ماهرا في صناعة الطب» «٣» .

ولقد بلغت حركة البحث عن الكتب اليونانية وإيفاد البعثات إلى الدولة البيزنطية من أجل الحصول عليها أوجها في عهد الخليفة المأمون، الذي كان نسيج وحده في حب العلم والثقافة بعامة، والثقافة اليونانية بخاصة، وإذا كان المثل الشائع يقول:

«الناس على دين ملوكهم» فلقد صدق هذا المثل على الخليفة المأمون حيث تأثر به الناس في تطلعه للعلم وسرت عدواه فيهم، أفرادا وجماعات، وانكبوا على العلم


(١) د. إبراهيم العدوي الدولة الإسلامية وإمبراطورية الروم، مكتبة الأنجلو المصرية- الطبعة الثانية- القاهرة ١٩٥٨ م (ص ١٦٨) .
(٢) ابن خالدون- المقدمة (بتحقيق الدكتور علي عبد الواحد وافي) (ص ١١٢٤) .
(٣) ابن القفطي- تاريخ الحكماء (ص ٢٦٢) .

<<  <   >  >>