للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

كان موسى بن نصير متلهفا على افتتاح الأندلس، لكنه لم يشأ أن يقحم المسلمين في مغامرة لا يعلم نتائجها إلا الله، ولم يكن قد وثق بعد بيليان، ثم إنه لا يستطيع أن يقبل على هذا العمل العسكري الكبير دون أن يستأذن الخليفة أو يستشيره فيما هو مقبل عليه. وهذا ما حدث بالفعل؛ فكتب إلى الخليفة الأموي الوليد بن عبد الملك "يخبره بالذي دعاه إليه يليان من أمر الأندلس، ويستأذنه في اقتحامها. فكتب إليه الوليد "أن خضها بالسرايا حتى ترى وتختبر شأنها، ولا تغرر بالمسلمين في بحر شديد الأهوال". فراجعه "موسى": "إنه ليس ببحر زخار، إنما هو خليج منه يبين للناظر ما خلفه". فكتب إليه: "وإن كان، فلا بد من اختباره بالسرايا قبل اقتحامه"١.

لقد ترددت الخلافة -بادئ الأمر- بالقيام بمثل هذا العمل الكبير، خوفا على المسلمين من المخاطرة في مفاوز، أو إيقاعهم في مهالك. لكن موسى أقنح الخليفة بالأمر، ثم تم الاتفاق على أن يسبق الفتح اختبار المكان بالسرايا، أو الحملات الاستطلاعية.

عمل موسى بن نصير بهذه النصيحة، وأرسل في رمضان "سنة ٩١هـ/ ٧١١م" سرية استكشافية مكونة من خمسمائة جندي -فيهم مائة فارس- بقيادة "طريف بن مالك" الملقب بأبي زرعة، وهو مسلم بربري، ويقال إنه من أصل عربي ينتسب إلى قبيلة "معافر" أو "نخع" اليمنية٢. وقد عبر هذا الجيش الزقاق "مضيق جبل طارق" من سبتة، بسفن "يليان" أو بسفن غيره، ونزل في جزية تعرف باسم "بالوما "PALOMAS" التي عرفت فيما بعد باسم "جزيرة طريف". وعادت هذه الحملة بالغنائم الوفيرة، وبالأخبار المشجعة على الاستمرار في عملية الفتح٣.

وقبل الحديث عن الخطوة التالية في فتح الأندلس نشير ها إلى ملاحظتين:

الأولى: كانت فكرة فتح شبه الجزيرة الإيبيرية فكرة إسلامية خالصة. بل


١ نفح الطيب ج١ ص٢٥٣، البيان المغرب ج٢ ص٥، أخبار مجموعة "ص٥-٦".
٢ نفح الطيب "١/ ٢٣٣، ٢٥٤"، صفة جزيرة الأندلس "من الروض المعطار للحميري" "ص٨".
٣ راجع نفح الطيب "١/ ٢٥٣"، دولة الإسلام في الأندلس لمحمد عبد الله عنان ١/ ٤٠، تاريخ المسلمين وآثارهم في الأندلس للسيد عبد العزيز سالم ص٧٠، التاريخ الأندلس للحجي ص٤٥-٤٦.

<<  <   >  >>