للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

عليهم قائدا من قواده المشهورين بحسن القيادة والكفاءة وقوة الإخلاص، هو مولاه طارق بن زياد" وهو -في أصح الآراء- بربري من قبيلة "نفزة"١.

ومن الغريب أن يكون الجيش الذي أعده للحملة مكونا كله من البربر باستثناء عدد قليل من العرب "لا يزيد على الثلاثمائة". وهذه هي المرة الأولى في تاريخ الفتوح الإسلامية يتولى فيها جيش كامل من المغلوبين فتح قطر من الأقطار الكبرى كالأندلس. ويدل هذا على أن بربر المغرب قد حسن إسلامهم، وأصبحوا على هذا النحو يؤلفون القوة الكبرى التي اعتمد عليها موسى بن نصير في فتح الأندلس عسكريا. ويبدوا أن البربر كانوا أكثر معرفة من العرب ببلاد الأندلس، فالمغرب والأندلس يؤلفان وحدة جغرافية وتاريخية في آن واحد٢.

عبر طارق بن زياد بجيشه من "سبتة" "أو من "طنجة"" إلى الطرف الآخر من المضيق في الخامس من شهر رجب -أو في شعبان- "عام ٩٢هـ/ ٧١١م"، في السفن الأربعة التي كانت ملكا ليلان ووضعها في خدمة المسلمين٣. وذكر المؤرخ ابن عذارى أن "يليان كان "يحمل أصحاب طارق في مراكب التجار التي تختلف إلى الأندلس، ولا يشعر أهل الأندلس بذلك، ويظنون أن المراكب تختلف بالتجار، فحمل الناس فوجا بعد فوج إلى الأندلس٤. ولا شك أن موسى استعان في العبور ببعض قطع من أسطوله الإسلامي الذي أنتجته دار الصناعة بتونس٥، والقول بأن القيام بعملية فتح إقليم كبير مثل الأندلس يمكن أن يفي بحاجته استعارة سفن قول بعيد، فمن الراجح تماما أنه كانت للمسلمين سفنهم، استعملها جيشهم في هذا الفتح٦.


١ البيان المغرب ج١ ص٤٣، ص٥، نفح الطيب "١/ ٢٥٤".
٢ السيد عبد العزيز سالم: تاريخ المسلمين وآثارهم في الأندلس "ص٧١".
٣ أخبار مجموعة "ص٦".
٤ ابن عذارى: البيان المغرب "ج٢ ص٦".
٥ هي دار الصناعة التي أقامها حسان بن ثابت لصناعة السفن اللازمة لمدافعة الروم في البر والبحر والإغارة على بلادهم. وبهذه السفن بعث موسى بن نصير قائده "عياش بن أخيل" إلى صقلية فغزاها "تاريخ المسلمين وآثارهم في الأندلس "ص٧٢"، وراجع: البيان المغرب "ج١ ص٤٢".
٦ راجع: التاريخ الأندلسي لعبد الرحمن الحجي "ص٤٧-٤٩".

<<  <   >  >>