للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ج: ص:  >  >>

وقلت: وزعموا أنه يلزمك أن تزعم أن القرآن ليس بمخلوق إلا على المجاز، كما ألزم ذلك نفسه معمر وأبو كلدة وعبد الحميد وثمامة، وكل من ذهب مذهبهم، وقاس قياسهم.

فتفهم - فهمك الله - ما أنا واصفه لك، ومورده عليك: اعلم أن القوم يلزمهم ما ألزموه أنفسهم، وليس ذلك إلا لعجزهم عن التخلص بحقهم، وإلا لذهابهم عن قواعد قولهم، وفروع أصولهم، فليس لك أن تضيف العجز الذي كان منهم إلى أصل مقالتهم، وتحمل ذلك الخطأ على غيرهم. فلرب قول شريف الحسب، جيد المركب، وافر العرض، بريء من العيوب، سليم من الأفن، قد ضيعه أهله، وهجنه المفترون عليه، فألزموه ما لا يلزمه، وأضافوا إليه ما لا يجوز عليه.

ولو زعم القوم على أصل مقالتهم أن القرآن هو الجسم دون الصوت والتقطيع، والنظم والتأليف، وأنه ليس بصوت ولا تقطيع ولا تأليف، إذ كان الصوت عندهم لا يخترع كاختراع الأجسام المصورة، ولا يحتمل التقطيع كاحتمال الأجرام المتجسدة، والصوت عرض، لا يحدث من جوهر إلا بدخول جوهر آخر عليه، ومحال أن يحدث إلا وهناك جسمان قد صك أحدهما صاحبه، ولا بد من مكانين: مكان زال عنه، ومكان آل إليه. ولا بد من هواء بين المصطكين. والجسم قد يحدث وحده ولا شيء غيره، والصوت على خلاف ذلك.

<<  <  ج: ص:  >  >>