للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فَلَمَّا فَرَغَ مِنْ صَلَاتِهِ وَذَهَبَ، جَاءَ إِلَيْهِ الشَّيْطَانُ فَقَالَ: أَنَا فَعَلْتُ بِكَ كَذَا وَكَذَا، فَلَمْ أَسْتَطِعْ مِنْكَ عَلَى شَيْءٍ، وَقَدْ بَدَا لِيَ أَنْ أَصْدُقَكَ، وَلَا أُرِيدُ ضَلَالَتَكَ بَعْدَ الْيَوْمِ.

فَقَالَ لَهُ الْعَابِدُ لَا الْيَوْمَ خَوَّفْتَنِي بِحَمْدِ اللَّهِ مَا خِفْتُ مِنْكَ، وَلَا لِي حَاجَةٌ الْيَوْمَ فِي مُصَادَقَتِكَ.

فَقَالَ: أَلَا تَسْأَلُنِي عَنْ أَهْلِكَ مَا أَصَابَهُمْ بَعْدَكَ؟ فَقَالَ لَهُ الْعَابِدُ أَنَا مُتُّ قَبْلَهُمْ.

فَقَالَ: أَلَا تَسْأَلُنِي عَمَّا أُضِلُّ بِهِ بَنِي آدَمَ؟ قَالَ: بَلَى.

فَأَخْبِرْنِي بِالَّذِي تَصِلُ بِهِ إِلَى إِضْلَالِ بَنِي آدَمَ.

قَالَ: بِثَلَاثَةِ أَشْيَاءَ: الشُّحِّ، وَالْغَضَبِ، وَالسُّكْرِ.

فَإِنَّ الْإِنْسَانَ إِذَا كَانَ شَحِيحًا قَلَّلْنَا مَالَهُ فِي عَيْنِهِ فَيَمْنَعُهُ مِنْ حُقُوقِهِ، وَيَرْغَبُ فِي أَمْوَالِ النَّاسِ.

وَإِذَا كَانَ الرَّجُلُ غَضُوبًا أَدَرْنَاهُ بَيْنَنَا، كَمَا يُدِيرُ الصِّبْيَانُ الْكُرَةَ بَيْنَهُمْ، وَلَوْ كَانَ يُحْيِي الْمَوْتَى بِدَعْوَتِهِ لَمْ نَيْأَسَ مِنْهُ، فَإِنَّمَا يَبْنِي وَيَهْدِمُ فِي كَلِمَةٍ وَاحِدَةٍ.

وَإِذَا سَكِرَ قُدْنَاهُ إِلَى كُلِّ سُوءٍ، كَمَا تُقَادُ الْغَنَمُ بِأُذُنِهَا حَيْثُ نَشَاءُ.

فَقَدْ أَخْبَرَهُ الشَّيْطَانُ أَنَّ الَّذِي يَغْضَبُ يَكُونُ فِي يَدِ الشَّيْطَانِ كَالْكُرَةِ فِي أَيْدِي الصِّبْيَانِ، فَيَنْبَغِي لِلَّذِي يَغْضَبُ أَنْ يَصْبِرَ لِكَيْلَا يَصِيرَ أَسِيرَ الشَّيْطَانِ وَلَا يَحْبَطَ عَمَلُهُ.

وَذُكِرَ أَنَّ إِبْلِيسَ جَاءَ إِلَى مُوسَى صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِ، فَقَالَ لَهُ: أَنْتَ الَّذِي اصْطَفَاكَ اللَّهُ تَعَالَى بِرِسَالَتِهِ، وَكَلَّمَكَ تَكْلِيمًا، وَإِنَّمَا أَنَا خَلْقٌ مِنْ خَلْقِ اللَّهِ تَعَالَى، أَرَدْتُ أَنْ أَتُوبَ إِلَى رَبِّكَ، فَاسْأَلْهُ لِيَتُوبَ عَلَيَّ، فَفَرِحَ بِذَلِكَ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ فَدَعَا بِمَاءٍ فَتَوَضَّأَ، وَصَلَّى مَا شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى، ثُمَّ قَالَ: يَا رَبُّ، إِنَّ إِبْلِيسَ خَلْقٌ مِنْ خَلْقِكَ، يَسْأَلُكَ التَّوْبَةَ فَتُبْ عَلَيْهِ.

فَقِيلَ لَهُ: يَا مُوسَى إِنَّهُ لَا يَتُوبُ.

فَقَالَ: يَا رَبُّ إِنَّهُ يَسْأَلُكَ التَّوْبَةَ.

فَأَوْحَى اللَّهُ تَعَالَى إِنِّي اسْتَجَبْتُ لَكَ يَا مُوسَى، فَمُرْهُ أَنْ يَسْجُدَ لِقَبْرِ آدَمَ فَأَتُوبَ عَلَيْهِ.

فَرَجَعَ مُوسَى مَسْرُورًا فَأَخْبَرَهُ بِذَلِكَ فَغَضِبَ مِنْ ذَلِكَ وَاسْتَكْبَرَ.

ثُمَّ قَالَ: أَنَا لَمْ أَسْجُدْ لَهُ حَيًّا، أَأَسْجُدُ لَهُ مَيِّتًا.

ثُمَّ قَالَ: يَا مُوسَى إِنَّ لَكَ حَقًّا عَلَيَّ بِمَا تَشَفَّعْتَ لِي إِلَى رَبِّكَ.

فَأُوصِيكَ بِثَلَاثَةِ أَشْيَاءَ: اذْكُرْنِي عِنْدَ ثَلَاثِ خِصَالٍ: اذْكُرْنِي حِينَ تَغْضَبُ.

فَإِنِّي فِي قَلْبِكَ أَجْرِي مِنْكَ مَجْرَى الدَّمِ، وَاذْكُرْنِي حِينَ تَلْقَى الْعَدُوَّ فِي الزَّحْفِ، فَإِنِّي آتِي ابْنَ آدَمَ حِينَ يَلْقَى الْعَدُوَّ فَأُذَكِّرُهُ زَوْجَتَهُ وَأَهْلَهُ وَمَالَهُ وَوَلَدَهُ حَتَّى

<<  <   >  >>