للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ومن ناحية أخرى، قد يتخذ الإسراف في الحب والتعبير عنه بمظهر التدليل الزائد الذي يؤدي إلى تعطيل نشاط الطفل وإلى الحد من الكشف عن إمكاناته الكامنة وإطلاقها في واقع حياته العملية.

ومثل هذه الحقائق عن أهمية الحب في حياة الطفل يؤكدها العديد من الدراسات النفسية والتربوية, فالطفل يبدأ حياته عاجزًا، لا حول له ولا قوة, ويظل معتمدا على غيره لسنوات طويلة، كما أن وجوده المادي وصحته النفسية يتوقفان على عناية الآخرين به, وليست فائدة الحب شيئًا غامضًا أو منفصلا عن حياة الطفل، بل إن محبة الكبار للطفل تعد شيئًا ملموسًا يدخل في دقائق حياته اليومية تظهر في أسلوب معاملته برقة والصبر على تضارب مطالبه مع سواها من الواجبات والميول "كرغبة أبويه في الاستمتاع بالنوم السريع", وفي مدى مداعبته وطريقة الإجابة على أسئلته عندما يكبر واحترام ميوله وتلبية رغباته في المساهمة في بعض نواحي نشاط الكبار.

ومن الطبيعي أن نجد -كما يثبت ذلك الكثير من البحوث- نمو الأطفال الذين يعيشون في بيوت يسبغ عليهم أفرادها الرعاية والحنان، ويكون أفضل من نمو الأطفال الذين ينشئون في بيوت محطمة أو في مؤسسات أو ملاجئ عامة, وليس من المتعذر أن نذكر لماذا يكشف الأطفال الذين ينشئون في هذه المؤسسات عن اتجاهات دفاعية ويكونون أقل استعدادا لتوقع أو تقبل تودد الآخرين إليهم، وأكثر ميلا إلى الحذر والتردد والانسحاب في علاقاتهم، لكن الحاجة إلى الحب وما يترتب عليها من آثار بالغة الأهمية في نمو الأطفال لا تتخذ اتجاهًا واحدًا ولا تتم من ظرف واحد، فالأطفال أكثر حساسية لاتجاهات الكبار نحوهم يظهرون حبهم للكبار الذين يحيطونهم بالعناية والعطف.

وكما أن محبة الكبار هامة للطفل, كذلك محبة الأطفال هامة للكبار، فقد تبين أن من أهم المتع التي ذكرها الآباء عند سؤالهم عن المتع المرتبطة بالإنجاب للأطفال وتنشئتهم، أشاروا إلى تلك التي تنجم عن صحبة الأطفال ومظاهر حبهم لأبويهم وما يتيحونه لهم من فرص لإسهامهم معهم في نشاط ودي مشترك، وهكذا لا تكون المحبة هامة للطفل فحسب بل ولسائر الأفراد أيضًا في شتى أوقات الحياة.

<<  <   >  >>