للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وتتجلى قيمة العلاقات القائمة على الحب -كما ذكرنا- في الاتجاه السيئ الذي يتخذه سلوك الطفل إذا كان في أيد غير عطوفة أو كان غير محبوب، فقد تبين من نتائج بعض الدراسات أن ضعف المحبة المتبادلة بين الآباء والأبناء قد يكون عاملا من عوامل نجاح أو غير ذلك من مظاهر السلوك اللااجتماعي أو المضاد للمجتمع، وربما كان أسوأ من ذلك مصير الأطفال الذين لا يتمردون أو يردون الإساءة، بل يتحملون آلامهم في صمت وعلى صورة قلق أو خوف، فكثير من الأطفال تنتابهم مخاوف ترجع إلى ما أصابهم من تهديد أو أذى, كما أن غير قليل منهم قد يبدون مخاوف تنطق بحاجاتهم إلى الثقة في علاقاتهم بغيرهم بما في ذلك من المخاوف المتصلة بالوحدة والنبذ.

كذلك يتوق الأطفال إلى نيل الرضا والظفر بالمحبة من المدرسين وغيرهم من الكبار ممن يقومون مقام الآباء, ولا شك أن هناك كثيرا من التداخل بين خصائص المدرس القدير وخصائص الأب، فلقد طلب من التلاميذ في بعض البحوث أن يذكروا صفات المدرس الذي يؤثره كل منهم بالمحبة دون غيره، فجاءت نسبة كبيرة من الإجابات متضمنة خصالا يتحلى بها الشخص المحبب بوجه عام، كالمودة والعطف، والاهتمام الصادق بالأطفال، والعدالة المشوبة بالحزم.

ومثل هذه الحقائق تكشف عن أنه من المفيد للمشرفين على شئون الأطفال في البيت والمدرسة والمعسكر والمستشفى وغيرها من الأماكن ألا يكتفوا بمجرد الشعور بالاهتمام بالأطفال بل عليهم أن يكشفوا عن ذلك في سلوكهم نحوهم، وليس معنى هذا، بطبيعة الحال, المحبة تكفي لحل جميع المشكلات, فالمدرس المحب لتلاميذه يحتاج إيضًا إلى قدر من إتقان التدريس، وصحيح أن حبه لتلاميذه يساعده في عمله ولكن هذا الحب في ذاته لن يجعل منه مدرسا ناجحًا بشكل آلي, كما لا ينبغي أن تحمل أهمية الحب الفرد على أن يفتعل التعبير عنه أو يحيط الطفل بجو مصطنع من المرح والطمأنينة، أو أن يؤدي باسم الحب أمورًا يقتضي صالحه أن يتعلم القيام بها بنفسه.

وفي هذا السياق النمائي يأخذ تطور شخصية الطفل مسارًا محددًا.

<<  <   >  >>