للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

قُلْتُ: وَالْجَوَابَانِ ضَعِيفَانِ، أَمَّا الْأَوَّلُ ; فَلِأَنَّ الْأَصْلَ فِي الِاسْتِثْنَاءِ الِاتِّصَالُ، وَقَوْلُهُ: {وَمَا كَانَ لِي عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ} [إِبْرَاهِيمَ: ٢٢] ، أَيْ: بِالْجَبْرِ وَالْقَهْرِ الْقَدَرِيِّ، بَلْ ذَلِكَ لِلَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، وَذَلِكَ لَا يَنْفِي سُلْطَانَهُ بِالْإِغْوَاءِ وَالْوَسْوَسَةِ، وَهُوَ الْمُرَادُ بِالسُّلْطَانِ الْمُثْبَتِ لَهُ بِقَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ: {إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ إِلَّا مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْغَاوِينَ} أَيْ: فَلَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانُ الْإِغْوَاءِ وَالْوَسْوَسَةِ ; بِدَلِيلِ قَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ: {وَأَجْلِبْ عَلَيْهِمْ بِخَيْلِكَ وَرَجِلِكَ وَشَارِكْهُمْ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَولَادِ وَعِدْهُمْ} [الْإِسْرَاءِ: ٦٤] .

وَأَمَّا الثَّانِي ; فَلِأَنَّ الْمُحَاوَرَةَ إِنَّمَا وَقَعَتْ فِي ذُرِّيَّةِ آدَمَ الَّتِي أُخْرِجَ إِبْلِيسُ بِسَبَبِهِ، بِدَلِيلِ قَوْلِهِ: {أَنْظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ} [الْأَعْرَافِ: ١٤] ، يَعْنِي بَنِي آدَمَ، {قَالَ إِنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرِينَ} [الْأَعْرَافِ: ١٥] ، {قَالَ فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ} [ص: ٨٢] . وَإِذَا كَانَ الْكَلَامُ فِي ذُرِّيَّةِ آدَمَ، لَمْ يَصِحَّ ضَمُّ الْمَلَائِكَةِ إِلَيْهِمْ حَتَّى يَكُونَ الْغَاوُونَ بِالنِّسْبَةِ إِلَيْهِمْ وَإِلَى بَقِيَّةِ بَنِي آدَمَ قَلِيلًا.

وَالْجَوَابُ الصَّحِيحُ عَنِ الْآيَةِ: هُوَ أَنَّا نَمْنَعُ مِنَ اسْتِثْنَاءِ الْأَكْثَرِ إِذَا صَرَّحَ بِعَدَدِ الْمُسْتَثْنَى مِنْهُ، أَمَّا إِذَا لَمْ يُصَرِّحْ بِهِ ; فَهُوَ جَائِزٌ بِاتِّفَاقٍ، كَمَا إِذَا قَالَ: خُذْ مَا فِي هَذَا الْكِيسِ مِنَ الدَّرَاهِمِ إِلَّا الزُّيُوفَ، وَكَانَتْ أَكْثَرَ، وَالْآيَةُ مِنْ هَذَا الْبَابِ لَمْ يُصَرِّحْ فِيهَا بِعَدَدِ الْمُسْتَثْنَى مِنْهُ، بَلْ قَالَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: (إِنَّ عِبَادِي) ، وَهُوَ مِقْدَارٌ غَيْرُ مُعَيَّنٍ، بِخِلَافِ: لَهُ عِنْدِي مِائَةٌ إِلَّا تِسْعِينَ ; فَهَذَا هُوَ الْمَمْنُوعُ.

<<  <  ج: ص:  >  >>