للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

قَالَ الزَّجَّاجُ: لَمْ يَأْتِ الِاسْتِثْنَاءُ إِلَّا فِي الْقَلِيلِ مِنَ الْكَثِيرِ. وَقَالَ ابْنُ جِنِّي: لَوْ قَالَ قَائِلٌ: مِائَةٌ إِلَّا تِسْعَةً وَتِسْعِينَ ; لَمْ يَكُنْ مُتَكَلِّمًا بِالْعَرَبِيَّةِ، وَكَانَ كَلَامُهُ عِيًّا وَلُكْنَةً. وَقَالَ الْقُتَيْبِيُّ: صُمْتُ الشَّهْرَ كُلَّهُ إِلَّا يَوْمًا وَاحِدًا، وَلَا يُقَالُ صُمْتُهُ إِلَّا تِسْعَةً وَعِشْرِينَ يَوْمًا، وَيُقَالُ: لَقِيتُ الْقَوْمَ جَمِيعًا إِلَّا وَاحِدًا أَوِ اثْنَيْنِ، وَلَا يُقَالُ: لَقِيتُهُمْ إِلَّا أَكْثَرَهُمْ، وَإِذَا لَمْ يَكُنْ هَذَا مِنْ كَلَامِ الْعَرَبِ، وَلَا دَعَتْ إِلَيْهِ الْحَاجَةُ، وَلَا سَوَّغَهُ قِيَاسٌ، كَانَ مَرْدُودًا.

أَمَّا الْوُجُوهُ الَّتِي ذُكِرَتْ عَلَى صِحَّةِ اسْتِثْنَاءِ الْأَكْثَرِ ; فَالْجَوَابُ عَنِ الْأَوَّلِ مِنْهَا، وَهُوَ الْآيَتَانِ الْكَرِيمَتَانِ، عَلَى الطَّرِيقَةِ الْأُولَى فِي تَقْرِيرِ الدَّلِيلِ مِنْهَا ; فَمِنْ وَجْهَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: أَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ فِي قَوْلِهِ: {إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ إِلَّا مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْغَاوِينَ} [الْحِجْرِ: ٤٢] مُنْقَطِعٌ بِمَعْنَى لَكِنَّ، أَيْ: لَكِنَّ مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْغَاوِينَ هُمْ مَعَكَ فِي جَهَنَّمَ، أَوْ هُمْ مِنْ حِزْبِكَ، وَلَيْسَ الْمُرَادُ أَنَّ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانًا، بِدَلِيلِ قَوْلِ إِبْلِيسَ فِي الْآخِرَةِ: {وَمَا كَانَ لِي عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ إِلَّا أَنْ دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي} [إِبْرَاهِيمَ: ٢٢] .

الْوَجْهُ الثَّانِي: أَنَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى اسْتَثْنَى فِي إِحْدَى الْآيَتَيْنِ الْمُخْلَصِينَ مِنْ بَنِي آدَمَ، وَهُمُ الْأَقَلُّ، وَفِي الثَّانِيَةِ اسْتَثْنَى الْغَاوِينَ مِنْ جَمِيعِ الْعِبَادِ، وَهُمُ الْأَقَلُّ أَيْضًا ; لِأَنَّ الْمَلَائِكَةَ مِنْ عِبَادِ اللَّهِ، بِدَلِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {بَلْ عِبَادٌ مُكْرَمُونَ} [الْأَنْبِيَاءِ: ٢٦] ; فَهُمْ غَيرُ غَاوِينَ، وَنِسْبَةُ جَمِيعِ بَنِي آدَمَ إِلَى الْمَلَائِكَةِ يَسِيرَةٌ فَضْلًا عَنِ الْغَاوِينَ مِنْهُمْ.

<<  <  ج: ص:  >  >>