للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

العربية، عن العاملة.

وتفكّر فى العاقبة، وما يجدى وما ينفع فى الآخرة، فابتدأ بصحبة الفارمذىّ، وأخذ منه استفتاح الطريقة، وامتثل ما كان يشير به عليه، من القيام بوظائف العبادات، والإمعان فى النوافل، واستدامة الأذكار، والجدّ، والاجتهاد، طلبا للنجاة، إلى أن جاز تلك العقبات، وتكلّف تلك المشاقّ، وما تحصّل على ما كان يطلبه من مقصوده.

ثم حكى أنه راجع العلوم، وخاض فى الفنون، وعاود الجدّ والاجتهاد، فى كتب العلوم الدقيقة، والتقى بأربابها، حتى انفتح له أبوابها، وبقى مدة فى الوقائع، وتكافى الأدلّة، وأطراف المسائل.

ثم حكى أنه فتح عليه باب من الخوف، بحيث شغله عن كلّ شئ، وحمله على الإعراض عمّا سواه، حتى سهل ذلك.

وهكذا، هكذا، إلى أن ارتاض كلّ الرياضة، وظهرت له الحقائق، وصار ما كنّا نطنّ به ناموسا، وتخلّقا، طبعا وتحقّقا، وأن ذلك أثر السعادة المقدّرة له من الله تعالى. ثم سألناه عن كيفيّة فى الخروج من بيته، والرجوع إلى مادعى من أمر نيسابور؟

فقال، معتذرا عنه: ما كنت أجوّز فى دينى أن أقف عن الدعوة، ومنفعة الطالبين بالإفادة، وقد حقّ علىّ أن أبوح بالحق وأنطق به، وأدعو إليه. وكان صادقا فى ذلك. ثم ترك ذلك قبل أن يترك، وعاد إلى بيته، واتخذ فى جواره مدرسة لطلبة العلم، وخانقاه للصّوفيّة.

وكان قد وزّع أوقاته، على وظائف الحاضرين؛ من ختم القرآن، ومجالسة أهل القلوب، والقعود للتّدريس، بحيث لا تخلو لحظة من لحظاته، ولحظات من معه عن فائدة؛ إلى أن أصابه عين الزمان، وضنّت الأيام به على أهل عصره، فنقله الله إلى كريم جواره، بعد مقاساة أنواع من القصد، والمناوأة من الخصوم، والسّعى به إلى الملوك، وكفاية الله به، وحفظه وصيانته عن أن تنوشه أيدى النّكبات، أوينهتك ستر دينه بشئ من الزّلاّت.

وكانت خاتمة أمره إقباله على حديث المصطفى صلّى الله عليه وسلم، ومجالسة أهله، ومطالعة الصحيحين البخارىّ ومسلم اللذين هما حجّة الإسلام، ولو عاش لسبق الكلّ فى ذلك الفن، بيسير من الأيام يستفرغه فى تحصيله.

ولا شك أنه سمع الأحاديث فى الأيام الماضية، واشتغل فى آخر عمره بسماعها، ولم تتّفق له الرواية، ولا ضرر فيما خلّفه من الكتب المصنّفة فى الأصول، والفروع، وسائر الأنواع تخلّد ذكره،

و

<<  <  ج: ص:  >  >>