للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الخان ينظرون من بعيد هل تصح هذه الخلوة؟ قال: إن كانوا ينظرون في الطوائق يترصدون لهما وهما يعلمان بذلك لا تصح الخلوة، وأما النظر من بعيد والعقود في الساحة فغير مانع من صحة الخلوة، فإنهما يقدران أن ينتقلا في هذا البيت إلى زواية لا تقع أنظارهم عليهما، فقد قيل: إن الزوجين إذا اجتمعوا في بيت بابه مفتوح، والبيت في دار لا يدخل عليهما أحد إلا بإذن؛ فالخلوة صحيحة وإلا فلا.

هذه جملة ما ذكر شيخ الإسلام رحمه الله وعلى قياس ما روى بشر عن أبي يوسف رحمه الله، في السترة القصيرة ينبغي أن يقال في هذ المسألة: إذا كان البيت والطوائق بحيث لو نظر فيهما إنسان رآهما لا تصح الخلوة، ولو كان معهما كلب معقور لا تصح الخلوة وقيل في الكلب: إذا لم يكن عقوراً؛ إن كان كلب المرأة يمنع صحة الخلوة، وإن كان كلب الزوج لا يمنع. ولو خلا بها ولم تمكنه من نفسها فقد اختلف المتأخرون فيه.

وفي طلاق «النوازل» : إذا قال لامرأته: إن خلوت بك فأنت طالق، فخلى بها يقع الطلاق وعليه نصف المهر؛ لأن الطلاق وقع عقيب الخلوة فلا فصل، فلم يكن متمكناً من الوطىء ليقام مقام الوطىء والخلوة بالرتقاء ليست بخلوة، وخلوة المجبوب خلوة صحيحة عند أبي حنيفة رحمه الله، وعندهما ليست بخلوة، هكذا ذكر الكرخي في مختصره.

وفي «المنتقى» ابن سماعة عن أبي يوسف رحمه الله أنه قال: لا توجب خلوة المجبوب بامرأته مهراً تاماً إلا أن تجيء بولد، فإن جاءت بولد لزمه وعليه المهر لأنهم زعموا أنه يحتمل.

وخلوة العنين والخصي خلوة صحيحة، ثم إن أصحابنا رحمهم الله أقاموا الخلوة مقام الوطىء في حق بعض الأحكام دون البعض.

أما الأحكام التي أقاموا الخلوة فيها مقام الوطىء تأكد جميع المسمى إن كان في العقد تسمية، وتأكد (٢٠٩أ١) مهر المثل إن لم يكن في العقد تسمية، وثبوت النسب ووجوب العدة، ووجوب النفقة والسكنى في هذه العدة، وحرمة نكاح أختها ما دامت العدة قائمة، وحرمة نكاح أربع سواها، وحرمة نكاح الأمة عليها على قياس قول أبي حنيفة رحمه الله في حرمة نكاح الأمة على الحرة في العدة عن الطلاق البائن، ومراعاة وقت الطلاق في حقها. وأما الأحكام التي لا تقوم الخلوة فيها مقام الوطء: فالإحصان حتى لا يصير محصناً بالخلوة، وحرمة البنات والإحلال للزوج الأول، والرجعة، والميراث حتى لو طلقها ثم مات في العدة لا ترث. أما وقوع طلاق آخر في هذه العدة فقد قيل: لا يقع، وقيل: يقع وهو أقرب إلى الصواب؛ لأن الأحكام لمّا اختلفت في هذا الباب يجب القول بالوقوع احتياطاً. وكام يتأكد جميع المهر بالدخول، وبالخلوة الصحيحة يتأكد بموت أحدهما.

ولو فقلت الحرة نفسها فلها المهر عندنا، ولو كانت أمة فقتلها المولى فلا مهر عند أبي حنيفة رحمه الله، وعند أبي يوسف ومحمد رحمهما الله: يجب المهر للمولى. ولو

<<  <  ج: ص:  >  >>