للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

نكيرد الشرب يحنث، لوجود شرط الحنث وهو الأخذ حقيقة، وقد قيل: لا يحنث، لأن الشرط هو الأخذ والشرب فلا يحنث بأحدهما، والصحيح أن يحنث؛ لأن كل واحد منهما يبقى على حدة فصار كل واحد شرطاً على حدة، وقد مر جنس هذا في كتاب الطلاق.

وفي أيمان «المنتقى» : رجل عوتب على شرب الخمر فحلف أن لا يشرب ما يخرج في هذا الكرم فشرب من خمره يحنث، لأنه معاني كلام الناس. رجل قال: إن شربت المسكر تصير امرأتي مطلقة يصير عبدي حراً، فشرب المسكر بعد ذلك تطلق امرأتهُ وعتق عبده، ولا يصدق بأنه لم يرد به الطلاق والعتاق، وإنما أراد منع أصحابه عن نفسه. حلف أن لا يشرب المسكر ثلاثة أشهر، فقالت له امرأته: أربعة أشهر، فقال: الزوج أربعة أشهر كثير فقد قيل: تصير المدة أربعة أشهر، وقد قيل: لا تصير المدة أربعة أشهر، وهذا بناء على أن الحالف إذا عطف على يمينه بعد سكوته ما يشدد على نفسه أنه يلتحق بيمينه عند أبي يوسف رحمه الله. وإذا عطف على يمينه بعد سكوته ما يوسع على نفسه لا تلتحق بيمينه ثم اختلف المشايخ رحمهم الله في هذة الصورة، أن في ذكر المدة الثانية تشديد عليه أو توسعة عليه فقيل: تشديد من حيث إنه يقع الطلاق بالشرب في الشهر الرابع وهو الأصح.

قال محمد رحمه الله في «الجامع الكبير» : إذا حلف الرجل أن لا يشرب من الفرات أبداً فشرب منه اغترافاً أو من إناء لا يحنث في يمينه عند أبي حنيفة رحمه الله حتى يكرع في الفرات كرعاً، وعندهما يحنث والوجه في ذلك: أن الشرب من الفرات حقيقة هو الشرب منه كرعاً، فإن الشرب من الشيء حقيقة أن يضع فاه عليه فيشرب منه بغير واسطة وهذه حقيقة مستعملة في العرف مقدرة في الشرع فإنه روي أن رسول صلى الله عليه وسلّممر بفناء قوم، وقال: «هل عندكم ماء فإن في شن وإلا كرعنا في الوادي كرعاً» إلا أن في الغالب يراد به الشرب باليد أو الإناء وأنه مجاز فالحقيقة في هذا الباب مستعمل، والمجاز إنما يستعمل إلا إن المجاز أغلب استعمالاً.

والأصل أن الحقيقة إذا كانت مستعملة والمجاز غير مستعمل، أو كان المجاز مستعملاً أيضاً إلا أن الحقيقة أغلب استعمالاً، أو كانا في الاستعمال على السواء فالعبرة للحقيقة، وإن كان المجاز أغلب استعمالاً، فعند أبي حنيفة رحمه الله العبرة للحقيقة، وعندهما العبرة للمجاز فانصرف يمينه إلى الكرع عن أبي حنيفة رحمه الله؛ لأن الكرع حقيقة مستعملة، وعندهما انصرف يمينه إلى الشرب باليد أو بالإناء، وإن كان مجازاً لأنه أغلب استعمالاً (٣٤٨ب١) ثم على قولهما إذا شرب كرعاً هل يحنث في يمينه؟ لم يذكر هذه المسألة في «الكتاب» ، وقد اختلف المشايخ رحمهم الله فيه بعضهم قالوا: لا يحنث

<<  <  ج: ص:  >  >>