للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال محمد رحمه الله: يحنث وإن كان مغلوباً فيحمل ما ذكرنا في «الجامع» على أنه قول أبي يوسف رحمه الله، أو على رجوع محمد إلى قول أبي يوسف رحمهما الله.

ولو حلف لا يشرب من ماء فرات أو حلف لا يشرب ماءً فراتاً فأي ماء عذب شرب حنث في يمينه، لأنه جعل الماء صفة للفرات ههنا حيث ذكر الفرات منكراً كما ذكر الماء منكراً والفرات إذا صار صفة للماء يراد به العذب، قال الله تعالى {وأسقيناكم ماء فراتاً} (المرسلات: ٢٧) أي: ماءً عذباً. فصار كأنه نص، قال: لا أشرب ماء عذباً بخلاف قوله لا أشرب من ماء الفرات؛ لأن هناك ما جعل الفرات صفة للماء، ألا ترى أنه ذكر الفرات مورياً بالكلام، وذكر الماء منكراً بل أضاف الماء إلى نهر مسمى بالفرات، فإن الفرات إذا ذكر مع الألف واللام يراد به نهر الفرات فقد عقد يمينه على شرب ماء نهر الفرات فلا يحنث بشرب ماء نهر آخر.

ولو حلف لا يشرب من هذا الكوز أبداً، وصب الماء الذي في الكوز في كوز آخر وشرب منه لا يحنث في يمينه بالإجماع. ولو قال: لا أشرب من هذا الكوز وصب الماء الذي في الكوز في كوز آخر فشرب منه يحنث في يمينه، لأنه عقد يمينه على الماء الذي في الكوز وإن صب في كوز آخر لا يخرج من أن يكون ذلك الماء بخلاف قوله لا أشرب في هذا الكوز؛ لأن هناك عقد يمينه على الشرب من الكوز ولم يشرب من ذلك الكوز.

وفي «القدوري» : ولو حلف لا يشرب من ماء دجلة لم يحنث عند أبي حنيفة رحمه الله حتى يكرع منه كرعاً بمنزلة قوله: لا أشرب من الدجلة. لأنه نصّ على الشرب من النهر، لأن قوله من دجلة، قوله لا أشرب. ولو حلف لا يشرب من هذا الجُب وفي هذا البئر. ذكر في القدوري مسألة الجب وذكر أنه لا يحنث عند أبي حنيفة رحمه الله حتى يكرع منه كرعاً، أو ذكر مسألة البئر وذكر أنه إذا استسقى وشرب يحنث.

وحكي عن أبي سهل.... رحمه الله أنه كان يقول: إن كان الجب والبئر ملآناً يمكن الكرع منه فيمينه على الكرع، وعند أبي حنيفة رحمه الله وعندهما على الاغتراف، وفي الكرع اختلاف المشايخ رحمهم الله على قولهما على حسب ما ذكرنا في الفرات.

قال: وإن لم يكن ملآناً فيمينه على الاغتراف، أما عندهما فظاهر، وأما عند أبي حنيفة رحمه الله فلأن العمل بالحقيقة غير ممكن ههنا بوجه من الوجوه فكانت الحقيقة مهجورة فينصرف يمينه إلى المجاز، فإنه لو نزل في هذه الصورة وكرع في أسفل البئر أو من أسفل الجب، اختلف المشايخ فيه والصحيح أنه لا يحنث؛ لأن الحقيقة إنما كانت مهجورة وقت اليمين فانصرف يمينه إلى المجاز (٣٨٥أ١) وقت وجودها، فلا ينصرف إلى الحقيقة بعد ذلك، لو حلف من ماء المطر.... الرحلة من ماء المطر فشرب لا يحنث، وإذا حلف لا يشرب من ماء وادي سال المطر لم يكن فيه ماء قبل ذلك، وشرب من ماء المطر.... يحنث.

<<  <  ج: ص:  >  >>