للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وبِاِعْمَلْ برأيكَ يُوكِّل غيرَهُ، ويُمْضِي حُكْمَ قاضٍ آخرَ في مختلفٍ فيه في الصَّدرِ الأَوَّلِ إلاَّ ما خالفَ الكتابَ، أو السُنّةَ المشهورة، أو الإجماعِ

(وبِاِعْمَلْ برأيكَ يُوكِّل غيرَهُ (١)): أي إذا قال الموكِّلُ للوكيل: اعملْ برأيكَ كان للوكيلِ أن يوكِّلَ غيرَهُ.

(ويُمْضِي حُكْمَ قاضٍ آخرَ في مختلفٍ فيه في الصَّدرِ الأَوَّلِ (٢) إلاَّ ما خالفَ الكتابَ (٣)، أو السُنّةَ المشهورة، أو الإجماعِ) (٤)

: أي إذا قضى القاضي ورَفَعَ حُكْمَهُ إلى


(١) زيادة من ج.
(٢) قيل: هو زمانُ الصحابةِ والتابعين، وقيل: المرادُ ما يعمُّ من الصحابةِ والفقهاءِ المجتهدين - رضي الله عنهم -. ينظر: «مجمع الأنهر» (٢: ١٦٩).
(٣) المرادُ من مخالفةِ الكتابِ مخالفةُ نصّ الكتابِ الذي لم يختلف السلفُ في تأويله، كقوله تعالى: {وَلَا تَنْكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُم مِنَ النِّسَاء} [النساء: ٢٢]، فإنَّ السلفَ اتَّفقوا على عدم جوازِ تزويج امرأة الأبِ وجاريتِه ووطئِها إن وطأها الأب، فلو حكمَ حاكمٌ بجواز ذلك نقضَه مَن رفع إليه. ينظر: «العناية» (٦: ٣٩٧).
(٤) تفصيل الكلام في هذه المسألة أنَّ قضاءَ القاضي الأوَّل لا يخلو:
إمّا أن يقعَ في فصلٍ فيه نصٌّ مفسَّرٌ من الكتاب، والسنةِ المتواترة، أو إجماع.
وإمّا أن يقعَ في فصل مجتهد فيه من ظواهرِ النصوصِ والقياس.
فإن وقع في فصلٍ فيه مفسَّرٌ من الكتاب، والخبرِ المتواترِ، أو إجماع، فإن وافقَ قضاؤه ذلك نَفَّذَه الثاني، ولا يحلُّ له النقض، وإن خالف شيئاً من ذلك ردَّه.
وإن وقعَ في فصلٍ مجتهدٍ فيه فلا يخلو:
إمّا إن كان مجمعاً على كونِهِ مجتهداً فيه.
وإما إن كان مختلفاً في كونِهِ مجتهداً فيه.
فإن كان مجمعاً على كونِهِ محلّ الاجتهاد:
فإمَّا إن كان المجتهدُ هو المقضي به.
وإمّا إن كان نفس القضاء.
فإن كان المجتهد فيه هو المقضى به، فرفعَ قضاءه إلى قاضٍ آخر، لم يردَّه الثاني بل ينفذُه، فإن ردَّه القاضي الثاني فرجعَ إلى قاضٍ ثالثٍ نفذَ قضاء القاضي الأوّل، وأبطلَ قضاء الثاني.

وإن كان نفسُ القضاء مجتهداً فيه أنّه يجوز أم لا، كما لو قضى بالحجْر على الحرّ، أو قضى على الغائب، يجوزُ للقاضي الثاني أن ينقضَ الأوّل إذا مال اجتهادُهُ إلى خلافِ اجتهادِ الأوّل، هذا إذا كان القضاء في محلٍّ أجمعوا على كونِهِ محلّ الاجتهاد.
فأمّا إذا كان في محلٍّ اختلفوا أنّه محلّ الاجتهاد أم لا: كبيعِ أمِّ الولد أنّه هل ينفذُ فيه قضاءُ القاضي عند أبي حنيفةَ - رضي الله عنه - وأبي يوسفَ - رضي الله عنه -: ينفذ؛ لأنّه محلُّ الاجتهادِ عندهما؛ لاختلافِ الصحابةِ - رضي الله عنهم - في جوازِ بيعها، وعند محمَّدٍ - رضي الله عنه -: لا ينفذ لوقوعِ الاتّفاقِ بعد ذلك من الصحابةِ وغيرهم، على أنّه لا يجوزُ بيعُها، فخرجَ محلُّ الاجتهاد، فينظر إن كان من رأي القاضي الثاني أنّه مجتهدٌ فيه ينفذُ قضاؤه ولا يردُّه، وإن كان في رأيه أنّه خرجَ من حدِّ الاجتهادِ وصار متّفقاً عليه لا ينفذ، بل يردّه.
وإذا كان نفسُ القضاءِ مختلفاً فيه بأن قضى القاضي بحقٍّ على الغائبِ أو للغائب، هل ينفذ؟ فيه روايتان عن أصحابنا: في رواية: لا ينفذ، هكذا ذكرَ الخصَّاف، وهو الصحيح. ينظر: «البدائع) (٧: ١٤ - ١٥). «الفتاوى العالمكيرية» (٣: ٣٥٦).

<<  <  ج: ص:  >  >>