للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وفيما اجتمعَ عليه الجمهورُ لا يعتبرُ خلافُ البعضِ

ويَجِبُ أن يعلمَ القاضي أن المسألةَ مختلفٌ فيها، وأيضاً هذا إذا كان محلُّ القضاءِ مختلفاً فيه، أمَّا إذا كان نفسُ القضاءِ مختلفاً فيه: كالقضاءِ على الغائبِ، فحينئذٍ يصيرُ مُجْمَعاً عليه، فبعد الإمضاءِ إن رَفَعَ إلى قاضٍ آخرَ يَجِبُ عليه تَنْفِيذُه.

(وفيما اجتمعَ عليه الجمهورُ لا يعتبرُ خلافُ البعضِ): ذُكِرَ في أصولِ الفقه: إنّ العلماءَ اختلفوا في أنّ الاجماعَ هل ينعقدُ باّتفاقِ أكثرِ المجتهدينَ أو لا بُدَّ من اتّفاقِ الكلّ، ففي «الهداية» (١): اختارَ أن اتّفاقَ الأكثر كافٍ، ففي مقابلةِ اتفاقِ الأكثرِ لا يعتبرُ خلافُ الأقلِّ.

وفي كتبِ أصولِ الفقه (٢): رجَّحوا ذلك المذهبِ، وهو أن خلاف الأقلِّ في مقابلةِ الأكثرِ معتبرٌ، فإنَّ واحداً من الصَّحابةِ - رضي الله عنهم - ربُّما خالفَ الجمعَ الكثير، ولم يقولوا نحنُ أكثرَ منكَ، بل اعتبروا مخالفتَهُ (٣).

وأيضاً قال في «الهداية»: إنّ المعتبرَ الاختلافُ في الصَّدرِ الأَوَّل (٤): أي الصَّحابةِ - رضي الله عنهم - لكن الأصحَّ أنَّه لا يشترطُ ذلك حتَّى يكونَ اختلافُ الشَّافِعِيِّ - رضي الله عنه - معتبراً.


(١) ذكر الشارح - رضي الله عنه - معنى عبارة «الهداية» (٣: ١٠٧)، وهي: وفيما اجتمع عليه الجمهور لا يعتبر مخالفة البعض، وذلك خلاف وليس باختلاف، والمعتبر الاختلاف في الصدر الأول.
(٢) ينظر: «المنار» (ص ٢١)، و «شرح ابن ملك عل المنار» (ص ٢٥٧)، و «كشف أصول البَزْدَوِيّ» (٣: ٢٧٥)، وغيرهم.
(٣) ويمكن التوفيق بين ما رجحوا في كتب أصول الفقه وبين كلام صاحب «الهداية»: إنَّ الواحدَ إذا خالف الجماعة، فإن سوَّغوا له ذلك الاجتهاد لا يثبتُ حكمُ الإجماعِ بدون قوله، بمنْزلةِ خلافِ ابن عبَّاسٍ - رضي الله عنه - الصحابةَ في زوجٍ وأبوين وامرأة، بأنَّ للأمِّ ثلثَ جميع المال، وإن لم يُسَوِّغوا له الاجتهاد، وأنكروا عليه قوله، فإنَّه يثبتُ حكمُ الإجماعِ بدون قوله بمنْزلةِ قول ابن عبَّاسٍ - رضي الله عنه - في حلِّ التفاضلِ في أموالِ الربا، فإنّ الصحابة لم يسوِّغوا له هذا الاجتهاد، حتى رُوِيَ أنّه رجعَ إلى قولهم، وكان الإجماعُ ثابتاً بدون قوله. ينظر: «العناية» (٦: ٣٩٧)، و «الكفاية» (٦: ٣٩٧ - ٣٩٨).
(٤) انتهى من «الهداية» (٣: ١٠٧). ومعناه أن الاختلافُ الذي يجعلُ المحلُّ مجتهداً فيه هو الاختلافُ الذي كان بين الصحابةِ والتابعين، لا الذي يقع بعدهم، وعلى هذا إذا حكم الشافعيُّ أو المالكيُّ برأيه بما يخالفُ رأيَ مَن تقدَّم عليه من الصدرِ الأوّل، ورفع ذلك إلى حاكم لم يرَ ذلك كان له أن ينقضَه. ينظر: «العناية» (٦: ٣٩٧).

<<  <  ج: ص:  >  >>