للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

"ومعلوم أن تماريهم فيما تماروا فيه من ذلك، لو كان تماريًا واختلافًا فيما دلت عليه تلاواتهم من التحليل والتحريم والوعد والوعيد وما أشبه ذلك، لكان مستحيلًا أن يصوِّب جميعهم، ويأمر كل قارئ منهم أن يلزم قراءته في ذلك على النحو الذي هو عليه، لأن ذلك لو جاز أن يكون صحيحًا وجب أن يكون الله جل ثناؤه قد أمر بفعل شيء بعينه وفَرَضَه، في تلاوة من دلت تلاوته على فَرْضه, ونهى عن فعل ذلك الشيء بعينه وزَجَر عنه, في تلاوة الذي دلت تلاوته على النهي والزجر عنه, وأباح وأطلق فعل ذلك الشيء بعينه، وجعل لمن شاء من عباده أن يفعله فعله. ولمن شاء منهم أن يتركه تركه، في تلاوة من دلت تلاوته على التخيير.

وذلك من قائله -إن قاله- إثبات ما قد نفى الله جل ثناؤه عن تنزيله ومحكم كتابه فقال: {أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافًا كَثِيرًا} ١.

وفي نفي الله جل ثناؤه ذلك عن محكم كتابه أوضح الدليل على أنه لم ينزل كتابه على لسان محمد -صلى الله عليه وسلم- إلا بحكم واحد متفق في جميع خلقه لا بأحكام فيهم مختلفة"٢.

ويُجاب عن الرأي الرابع "د" الذي يرى أن المراد بالأحرف السبعة وجوه التغاير التي يقع فيها الاختلاف٣؛ بأن هذا وإن كان شائعًا مقبولًا لكنه لا ينهض أمام أدلة الأول التي جاء التصريح فيها باختلاف الألفاظ مع اتفاق المعنى، وبعض وجوه التغاير والاختلاف التي يذكرونها ورد بقراءات الآحاد، ولا خلاف في أن كل ما هو قرآن يجب أن يكون متواترًا، وأكثرها يرجع إلى


١ النساء: ٨٢.
٢ تفسير الطبري: جـ١ ص٤٨، ٤٩.
٣ هذا الرأي هو أقوى الآراء بعد الرأي الذي اخترناه، وإليه ذهب "الرازي" وانتصر له من المتأخرين الشيخ محمد بخيت المطيعي، والشيخ محمد عبد العظيم الزرقاني.

<<  <   >  >>