للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وَصَحَّ نِكَاحُهُ وَطَلَاقُهُ وَعِتْقُهُ، وَرَجَعَ بِقِيمَةِ العَبْدِ وَنِصْفِ المُسَمَّى، إنْ لَمْ يَطَأْ. وَنَذْرُهُ، وَيَمِينُهُ، وظِهَارُهُ،

===

فبلغ ذلك عمر وهو في سوق المدينة، فقال: يا لبيكاه يا لبيكاه، فبعث إلى الأمير فنزعه وقال: لولا أن يكون سنةً لأقَدْتُه منك، ثم غرَّمه الدِّية، وقال: لا تعمل لي عملاً أبداً.

فقال: إنما أمره الأمير بهذا على غير إرادة قتله، بل ليدخل الماء فينظر لهم مخاضة فضمَّنه عمر ديته، فكيف بمن أمره وهو يريد قتله بذلك. وفيه دليلٌ على أنه يجب القَوَد على المكرِه، وأنه يجب بغير سلاحٍ.

ومعنى قوله: (لولا) (١) أن يكون سنةً: يعني في حقّ من لا يقصد القتل، ويكون مخطئاً في ذلك. فهو تنصيصٌ على أنه إذا كان قاصداً قتله بما لَا يَلْبِسُه (٢) ، فإنه يستوجب القَوَد. وأبو حنيفة يقول: إنما قال عمر ذلك على سبيل التهديد، وقد يهدّد الإمام بما لا يتحقّق، ويتحرّز عنِ الكذب ببعض معاريض الكلام، والله تعالى أعلم بحقائق المرام.

(وَصَحَّ نِكَاحُهُ) أي نكاح من أُكْرِه على نكاح امرأةٍ (وَطَلَاقُهُ) أي طلاق من أُكْرِه على طلاق امرأةٍ (وَعِتْقُهُ) أي عتق من أُكْرِه على إعتاق عبده أو أمته، فإن هذه العقود تصحّ عندنا مع وجود الإكراه قياساً على صحتها مع وجود الهزل. وعند مالك والشّافعيّ وأحمد: لا تصحّ. (وَرَجَعَ) السيّد على الحامل له (بِقِيمَةِ العَبْدِ) سواء كان الحامل له مُوسِراً أو مُعْسِراً (وَنِصْفِ المُسَمَّى) أي ورجع المطلق على الحامل بنصف المسمّى (إنْ لَمْ يَطَأْ) قيّد به، لأنه لا يرجع في الموطوءة بشيء، لأن ما عليه في غير الموطوءة كان على شرف السقوط، بأن جاءت الفُرْقة من جانب المرأة، وإنما تقرّر بالطّلاق، فكان الإكراه عليه إتلافاً للمال من هذا الوجه، فانضاف إلى الحامل من حيث إِنه إتلافٌ، بخلاف ما إذا دخل بها، لأن المهر تقرّر بالدُّخول لا بالطَّلاق.

(وَ) صحّ (نَذْرُهُ) أي نذر من أُكْرِه على نذرٍ (وَيَمِينُهُ) أي حَلَف من أُكْرِه على حَلِفٍ على شيءٍ، لأن النذر واليمين لا يلحقهما الفسخ، وكلّ ما لا يلحقه الفسخ لا يؤثر فيه الإكراه. (و) صحَّ (ظِهَارُهُ (٣) ) أي ظهار من أُكْره على أن يُظَاهر من امرأته، حتّى لا يجوز له قربانها حتى يكفّر، لأنّ الظِّهَار من أسباب التحريم كالطَّلاق فيستوي


(١) ما بين الحاصرتين سقط من المخطوط.
(٢) اللُّبْسُ: الشبهة وعدم الوضوح. المعجم الوسيط ص ٨١٣، مادة (لبس).
(٣) ظاهر امرأَته: قال لها: أَنتِ عليّ كظهر أَمي: أَي أَنتِ عليّ حِرام. المعجم الوسيط ص ٥٧٨، مادة (ظهر).

<<  <  ج: ص:  >  >>