للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وَيُقَادُ هُوَ فَقَطْ.

===

وكذا لو قال له: لتقتلنَّ نفسك بهذا السيف، أو لأقتلنّك (به، لم يكن هذا إكراهاً لما قلنا. ولو قال: لتقتلنّ نفسك بهذا السيف، أو لأقتلنَّك) (١) بالسياط، أو ذكر (له) (٢) نوعاً من القتل هو أشدّ عليه ممّا أمره أن يفعله بنفسه، فقتل نفسه قُتِلَ به الذي أكرهه، لأن الإكراه تحقّق هنا، فإنه قصد بالإقدام على ما طلب منه دفع ما هو أشدّ عليه، إذ القتل بالسياط أفحش وأشدُّ على البدن من القتل بالسيف، لأن القتل به يكون لحظة، وبالسياط يطول ويتوالى الألم. وإليه أَشار حُذَيْفَة حيث قال: فتنة السوط أشدّ من فتنة السيف.

(وَيُقَادُ هُوَ) أي الحامل إن كان القتل عمداً (فَقَطْ) أي ولا يُقَاد الفاعل معه ولا وحده، وهذا عند أبي حنيفة ومحمد. وقال مالك والشّافعيّ وأحمد: يُقَادان، لأن الفاعل قاتل حقيقةً والحامل متسبِّبٌ، والمتسبِّب عندهم في القَوَد كالمباشر، كما في شهود القصاص إذا رجعوا. وقال زُفَر: يُقَاد الفاعل فقط، وقال أبو يوسف: لا يُقَاد واحدٌ منهما، لأن الفاعل قاتلٌ حقيقةً لا حُكْماً، والحامل بالعكس، فتمكَّنت الشبهة من الجانبين.

ولو أُكْرِه على تردَ من جبلٍ عالٍ، أو على اقتحام نارٍ مضطرمةٍ (٣) لا يرجو النجاة منها، أَوْ على طرح نفسه في ماءٍ مهلكٍ يقتل، له الصَّبْر والاقتحام عند أبي حنيفة، لأن من الناس مَنْ يختار ألم النار على ألم السيف، وصبَّره محمد ومنعه عن فعل ما أُمِرَ به، واضطرب قول أبي يوسف بين الصَّبر والاقتحام، وكذا الخلاف بينهم لو وقعت نارٌ في سفينةٍ: إن صبر احترق، وإن ألقى نفسه غرق.

وحكم الإكراه على التردّي المهلك، والإلقاء في الماء المُغْرِق، لزومُ الدِّية على المكرِه عند أبي حنيفة. وعند محمد: قتل الحامل على التردّي والإلقاء في الماء، كما يقتل الحامل على اقتحام النار بالقتل، ويوافق أبو يوسف محمداً في وجوب القَوَد في الصور الثَّلاث في الصحيح عنه، لأنه لمّا أُبِيحَ له الإقدام صار آلة للمكرِه. والدليل عليه: حديث زيد بن وَهْب قال: استعمل عمر بن الخطاب رجلاً على جيش فخرج نحو الجبل، فانتهى إلى نهر ليس عليه جسر في يومِ باردٍ، فقال أمير الجيش لرجل: انزل فابغ لنا مخاضة نجوز فيها، فقال الرجل: إني إِنْ دخلت الماء أموت، فأكرهه، فدخل الماء وقال: يا عمراه، ثم لم يلبث أن هلك،


(١) ما بين الحاصرتين سقط من المطبوع.
(٢) ما بين الحاصرتين سقط من المطبوع.
(٣) في المطبوع: مضطربة، والمثبت من المخطوط.

<<  <  ج: ص:  >  >>