للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وشَيْخٌ فَانٍ عَجَزَ عَنِ الصَّوْمِ، أَفْطَرَ، وأَطْعَمَ لِكُلِّ يومٍ مِسْكِينًا كالفِطْرَة. ويَقْضِي إِنْ قَدَرَ.

===

وأَصحاب السُّنَنِ إِلاَّ النَّسَائِي، وكذا يوم النَيْرُوز (١) والمِهْرَجَان (٢) لأَن فيه تعظيمَ أَيَّامٍ نُهِينَا عن تعظيمها إِلاَّ أَنْ يُوافِق ذلك عادته في الصوم لفواتِ علَّة الكراهة.

ويُكْره صومُ الصَّمْتِ: وهو أَنْ يصومَ ولا يتكلم، يعني يلتزم عَدَمَ الكلامِ، بل يَتَكَلَّمُ بِخَيْرٍ وبِحَاجَتِه، وكذا يُكْره صومُ الوِصال ولو يومين لقول ابن عُمَر: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الوِصال، فقال: إِنَّك تُواصِلُ يا رسولَ الله، قال: «إِنِّي لَسْتُ كَهَيْئَتِكُم، إِنِّي أُطْعَمُ وأُسْقى». رواه أَبو داود. وفي روايةٍ قال: «إِنِّي أَبِيتُ عِند رَبِّي يُطْعِمُني ويسْقِينِي». وصوم الدَّهْرِ لأَنه يُضْعِفُه أَوْ يصير طبعاً له، ومبنى العبادة على خلاف العادة.

ولا تصومُ المرأَةُ نفلاً إِلاَّ بإِذن زوجها وله أَنْ يُفَطِّرَهَا.

وأَفضلُ الصيامِ صيامُ داود عليه الصلاة والسلام لقوله صلى الله عليه وسلم «أَحَبُّ الصيامِ إِلى اللَّهِ صيامُ داودَ، وأَحَبُّ الصلاةِ إِلى الله صلاةُ داودَ، كانَ يَنَامُ نِصْفَهُ ويَقُومُ ثُلُثَه ويَنَامُ سُدُسَهُ، وكانَ يُفْطِرُ يوماً ويَصُومُ يَوْماً». رواه أَبو داود وغيره.

(وشَيْخٌ فَانٍ) سُمِّي به لِقُربهِ إِلى الفناء، أَوْ لأَنَّهُ فَنِيَتْ قوته، وهذا معنى قوله: (عَجز عَنِ الصَّوْمِ، أَفْطَرَ وأَطْعَمَ) على سبيل الوجوب، وهو قول أَحمد، وأَظْهر قولي الشافعي، ورواية عن مالك.

(لِكُلِّ يومٍ مِسْكِيناً كالفِطْرَةِ، ويَقْضِي إِنْ قَدَرَ) على الصيام بَعْدَ الإِطعام، لأَن شَرْطَ خَلَفية الإِطعامِ لصَوْمِه استمرارُ عَجزِهِ ولم يوجد، وقال مالك في المشهور عنه: لا يجب عليه الإِطعام، وهو قول الشافعي القديم، ومُخْتَار الطحاوي، لأَنه عَاجِزٌ عن الصوم، ولما لم يزل عادة مَنَع الوجوب، وتَرْكُ غير الواجب لا يوجب الضمان، فأَشبه المريض إِذا مات قبل البُرْء. وفي الصحيحين عن سَلَمَة بن الأَكْوَع قال: لَمَّا نزِلت هذه الآية: {وعلى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِين} (٣) ، كان مَنْ أَراد أَنْ يُفْطِرَ ويَفْتَدي فَعَل، حتى نزلت هذه الآية: {فَمَنْ شَهِدَ منكم الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ} (٤)


(١) النَّيْرُوز: لَفْظٌ مُعَرّب، اليوم الحادي والعشرون من شهر آذار من السنة الميلادية، وهو عيد الفرح عند الفُرْس = عيد رأس السنة عندهم. معجم لغة الفقهاء، ص: ٤٩٠.
(٢) المِهْرَجان: لفظ معرب، عيد الخريف عند الفُرْس. معجم لغة الفقهاء، ص: ٤٦٧.
(٣) سورة البقرة، الآية: (١٨٤).
(٤) سورة البقرة، الآية: (١٨٥).

<<  <  ج: ص:  >  >>