للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وإِنْ صَحَّ أَوْ أَقَامَ، ثُمَّ مَاتَ، فَدَى وَارِثُه ما فات إِنْ عَاشَ بَعْدَهُ بِقَدْرِهِ، وإِلَّا فَبِقَدْرِهِما.

===

قُوَّةً فَصَام، فإِنَّ ذلك حسن، ويرون أَنَّ مَنْ وجد ضَعْفاً فأَفْطَر فإِنَّ ذلك حسن». ومعنى لا يجد: لا يغضب ولا ينكر. وفي الصحيحين وأَبي داود عن أَبي الدرداء قال: خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في بَعْضِ غَزَوَاتِهِ في حَرَ شَدِيدٍ حتى إِنَّ أَحَدَنَا لَيَضَعُ يَدَهُ على رَأْسِهِ من شِدَّةِ الحَرِّ، ما فينا صَائِمٌ إِلاَّ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم وعبدُ اللَّه بنُ رواحة. فعلم أَنَّه اختيار رسول الله صلى الله عليه وسلم وأَمَّا قوله صلى الله عليه وسلم «لَيْسَ مِنْ البِرِّ الصَّيَامُ في السَّفَرِ»، فَقَالَهُ في مُسَافِرٍ ضَرَّهُ الصَّوم.

(وإِنْ صَحَّ) المريضُ، (أَوْ أَقَامَ،) المسافر، (ثُمَّ مَاتَ) المريض (فَدَى وَارِثُه ما فات) أَي جميعه (إِنْ عَاشَ) أَي المريض أَوْ المسافر (بَعْدَهُ) أَي بعد المرض أَوْ السفر (بِقَدْرِهِ) أَي بَقْدر ما فات (وإِلاَّ) أَي وإِنْ لم يَعِش المريض بعد المرض، والمسافر بعد السفر بِقَدْر ما فاته بل عاش أَقَلَّ منه (فَبِقَدْرِهِما) أَي فَيَفْدِي وَارِثُهُ بِقَدْرِ الصحةِ والإِقامة، لأَنه عَجَزَ عن الأَداء في آخِرِ عمره فصار كالشيخ الفاني، فأُلْحِقَ به دلالةً لا قياساً.

قال الطحاوي: هذا قول محمد، وأَمَّا قولهما: فيلزمه قضاء الكل وإِنْ صح يوماً واحداً، وهذا ليس بصحيح، وإِنَّما الخلاف في النَّذْر فلو ماتا على حالهما لا (١) شيء عليهما لقوله تعالى: {فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} (٢) ، ولم يُدْرِكَاها فلم يَلْزَمْهُمَا القضاء، ولأَنهما لَمَّا عُذِرَا في الأَداء، فأَوْلَى أَنْ يُعْذَرَا في القضاء، وإِنْ عاشا قَضَيَا بعد الصحة والإِقامة بلا شرط الوِلَاءِ (٣) ، فله الخِيَار إِنْ شاءَ فَرَّقَ، وإِنْ شَاءَ تابع، لإِطلاق النَّص، ولقول ابن عباس: أَبْهِمُوا ما أَبْهَمَهُ اللَّهُ تعالى. وإِنْ لم يَقْضِيا حتى مَرِضَا لزمهما الإِيصاء بالفدية عنهما، فإِن جاء رمضان الثاني قدمه على القضاء ـ لأَنه وقت الأَداء ـ ثم قضى الأَول ولا يجب عليه فدية بالتأْخير عندنا، وأَوجبها مالك والشافعي، لما رُوِيَ أَنَّه عليه الصلاة والسلام قال في رجل مَرِضَ في رمضان فأَفطر ثُمَّ صح فلم يَصُم حتى أَدْرَكَهُ رمضان آخر: «يصومُ الذي أَدْرَكَهُ، ثُمَّ يَصُومُ الذي أُدْرِكَ فيه ويُطْعِمُ عن كلِّ يوم مِسكيناً» (٤) .

ولنا إِطلاق قوله تعالى: {فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَر} مِنْ غَيْر قَيْدٍ، فكان وجوب القضاء على التراخي، فلا يلزمه بالتراخي شيء، غير أَنه تاركٌ الأَولى: وهو


(١) في المطبوعة: فلا، وما أثبتناه من المخطوطة.
(٢) سورة البقرة، الآية: (١٨٥).
(٣) الوِلاء: التعاقب بين الأفعال بِفِعْلِ الثاني منها بعد الأَول من غير فصل بينهما. معجم لغة الفقهاء، ص: ٥٠٩.
(٤) سنن الدارقطني: ٢/ ١٩٧، كتاب الصيام، باب القُبْلة للصائم، رقم (٨٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>