للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لا بَعْدَهُ.

نَذَرَ حَجًّا مَشْياً، مَشَى حَتَّى يَطُوفَ الفَرْضَ.

===

ومثل هذا قد جَعَلَه المصنف في كتاب الشهادة مما يظهر فيه كذب الشاهد، ويحتمل أَنْ يشهدوا بأَنَّ ذا القِعْدَة غُرَّتُه (١) يوم الأَحد مثلاً، فكان الناس على أَنْ الغرة يوم الاثنين، فغرة ذي الحجة في زعم الناس يوم الأَربعاء، وفي زعم الذين يشهدون يوم الثلاثاء، فلا يكون شهادة على النفي كما لا يخفى. ولمكان المناقشة في ذلك ذكر صاحب «الهداية»: أَنهم قالوا: ينبغي للحاكِم أَنْ لا يسمع هذه الشهادة، ويقول: قد تمّ حجّ الناس، انْصَرِفُوا، لأَنه ليس فيها إِلاَّ إِيقاعُ الفتنة.

(لا بَعْدَهُ) بأَن شهِدوا أَنهم وقفوا يوم النحر، فإِنَّ شهادتهم لا تُقبل ويجزاء أَهل عرفة حجتهم، والقياس أَنْ لا تُجْزِئهم كما لو شهدوا بالوقوف قبله. والفَرق أَنَّ التدارك فيما إِذا شهدوا بالوقوف قبل وقته ممكن وبعده غير ممكن، وفي الأَمْر بالإِعادة حَرَج، وأَيضاً العبادة قبل وقتها لا تَصِحُّ أَصْلاً وبعده تصِح في الجملة.

ولو شهدوا يوم التروية أَنه يوم عرفة: فإِنْ أَمْكَن وقوف الإِمام مع أَكثر الناس قُبِلت شهادتهم، وكذلك إِنْ أَمكن وقوفه معهم ليلاً أَوْ نهاراً، وإِنْ لم يمكن لا تقبل شهادتهم ويقفون من الغد استحساناً. والشهود كالناس حتى لو لم يقفوا مع الناس ووقفوا بما رَأَوا، فاتهم الحج وعليهم قضاء الحج مِنْ قابل والإِهْلال بِعُمْرة، وذلك لما رُوي أَنه عليه الصلاة والسلام قال: «صَوْمُكُم يومَ تَصُومون، وفِطْرُكم يومَ تُفْطِرون، وعَرَفَتُكُم يومَ تُعَرِّفون، وأَضْحَاكُم يوم تضحون» (٢) أَي وقت الوقوف بعرفة عند الله هو اليوم الذي يقف فيه الناس عن اجتهاد ورأي أَنه يوم عرفة.

(نَذَرَ حَجَّاً مَشْياً مَشَى) من بيته لأَنه هو المراد بالعُرْف، وقيل: من الميقات ولا يركب (حَتَّى يَطُوفَ) طواف (الفَرْضَ) وهذه رواية «الجامع الصغير». وفي «المبسوط»: أَنه مُخَيَّرٌ. وعن أَبي حنيفة رحمه الله تعالى أَنَّ مَشْيَهُ مكروهٌ. ووجه رواية «الجامع» أنه (التَزَمَ) (٣) على صفة الكمال، لأَن المشي أَشقُّ على البدن فيلزمه الإِيفاء، وصار كالنَّاذر صوماً متتابعاً. فإِنْ قيل: فقد كَرِه أَبو حنيفةَ الحج ماشِياً، فكيف يكون صفة كمال؟ قلنا: إِنما كَرِهَهُ إِذا كان مِظنَّة سوء خُلُق الفاعل له، كأن يكون صائماً مع


(١) الغُرَّةُ من كلِّ شهر: ليلة استهلال القَمَر. المعجم الوسيط ص: ٦٤٨، مادة (غرّ).
(٢) أخرجه الترمذي في سننه ٣/ ٨٠، كتاب الصوم (٦)، باب ما جاء الصوم يوم تصومون (١١)، رقم (٦٩٧).
(٣) في المطبوع: يلزمه، وما أثبتناه من المخطوط.

<<  <  ج: ص:  >  >>