للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

نحو عشرة آلاف دينار، وإن كان شهما رغبته الأمر والنهى ولّاه أعظم الوظائف، كما فعل بالأمير على باى المؤيّدى والأمير تغرى بردى المؤيّدى المعروف بأخى قصروه؛ ولّى كلّا منهما أجلّ وظيفة بديار مصر، فأقر على باى فى الدّواداريّة الكبرى دفعة واحدة من إمرة عشرة، وأقرّ تغرى بردى فى الأمير آخوريّة الكبرى دفعة واحدة، ومع هذا لم يتجنّ عليهما أبدا بل صار معهما فيما أراداه، يعطى من أحبّا ويمنع من أبغضا حتى إن تغرى بردى المذكور وسّط الأمير راشد بن أحمد ابن بقر خارج باب النصر «١» ظلما لما كان فى نفسه منه، فلم يسأله ططر عن ذنبه.

كل ذلك لكثرة دهائه وعظيم احتماله، ولم يكن فعله هذا مع على باى وتغرى بردى فقط، بل «٢» مع غالب أشرار المؤيّديّة.

هذا وهو يقرب خشداشيته الظاهرية [برقوق] «٣» واحدا بعد واحد، يقصد بذلك تقوية أمره فى الباطن، فأطلق مثل جانبك الصّوفى، ومثل بيبغا المظفّرىّ، ومثل قجق العيساوى. كل ذلك وهو مستمرّ فى بذل الأموال والإقطاعات لمن تقدّم ذكرهم، حتى إنه كلّمه بعض أصحابه سرّا بعد عوده من دمشق فيما أتلفه من الأموال، فقال:

«يا فلان أتظن أن الذي فرقته راح من حاصلى؟ جميعه فى قبضتى أسترجعه فى أيسر مدّة، إلّا ما أعطيته للفقهاء والصّلحاء» فمن يكن فيه طيش وخفّة لا يطيق هذا الصّبر ولو تلفت روحه.

وكان مقداما جريئا على الأمور بعد ما يحسب عواقبها، شهما يحب التجمّل؛ كانت مماليكه أيام إمرته مع فاقته أجلّ من جميع مماليك رفقته من الأمراء، فيهم الناصرية والجكميّة والنّوروزية وغيرهم.

ولما حصل له ما أراه وصفا له الوقت ووثب على ملك مصر أقام له شوكة وحاشية من خشداشيته ومماليكه فى هذه الأيام القليلة، لم ينهض بمثلها من جاء قبله ولا بعده أن ينشئ مثلها فى طول مملكته؛ وهو أنه أعطى لصهره البدرى حسن بن سودون الفقيه