للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

إمرة طبلخاناه، ثم نقله إلى تقدمة ألف بالديار المصرية، ولم يكن قبلها من جملة مماليك السلطان ولا من أولاد الملوك، فإن والده سودون الفقيه مات بعد سنة ثلاثين جنديّا، وكذا فعل مع فارس داواداره، أنعم عليه بإمرة مائة وتقدمة ألف ونيابة الإسكندرية، ومع جماعة أخر قد تقدم ذكرهم؛ فهذا مما يدلّ على قوّة جنانه وإقدامه وشجاعته، فإنه أنشأ هذا كلّه فى مدّة سلطنته، وهى ثلاثة أشهر وأربعة أيام.

وأنا أقول: إن مدّة سلطنته كانت ثمانية عشر يوما، وهى مدّة إقامته بمصر، وباقى ذلك مضى فى سفره ومرض موته، وكان يحبّ مجالسة العلماء والفقهاء وأرباب الفضائل من كل فن، وله اطلاع جيّد ونظر فى فروع مذهبه، ويسأل فى مجالسه الأسئلة المفحمة المشكلة، مع الإنصاف والتواضع ولين الجانب مع جلسائه وأعوانه وخدمه، وكان يحب إنشاد الشعر بين يديه لا سيما الشعر الذي باللغة التركية؛ فإنه كان حافظا له ولنظامه، ويميل إلى الصوت الحسن، ولسماع الوتر، مع عفته عن سائر المنكرات- قديما وحديثا- من المشارب. وأما الفروج فإنه كان يرمى بمحبة الشبّاب على ما قيل- والله أعلم بحاله.

ومع قصر مدّته انتفع بسلطنته سائر أصحابه وحواشيه ومماليكه، فإن أول ما طالت يده رقّاهم وأنعم عليهم بالأموال والإقطاعات والوظائف والرّواتب؛ قيل إنه أعطى الشيخ شمس الدين محمدا الحنفىّ فى دفعة واحدة عشرة آلاف دينار، وأوقف على زاويته «١» إقطاعا هائلا، وتنوّعت عطاياه لأصحابه على أنواع كثيرة، وأحبه غالب الناس لبشاشته وكرمه.

وأظنّه لو طالت مدّته أظهر فى أيامه محاسن، ودام ملكه سنين كثيرة لكثرة عطائه.

فإنه يقال فى الأمثال وهو من الجناس الملفق [المتقارب]

إذا ملك لم يكن ذاهبة ... فدعه فدولته ذاهبة