للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ومغفرة الله مرجوّة ... إذا أصبحت أعظمى فى الرّمم

ويا ليتنى هامد لا أقوم ... إذا نهضوا ينفضون اللّمم

ونادى المنادى على غفلة ... فلم يبق فى أذن من صمم

وجاءت صحائف قد ضمّنت ... كبائر آثامهم واللّمم (١)

وليت العقوبة تحريقة ... فصاروا رمادا بها أو حمم (٢)

فهو آمل فى غفران الله. ومع حياته الزاهدة الناسكة يخاف لقاء ربه حتى ليتمنى أن لا يبعث يوم القيامة {يَوْمَ يُنادِ الْمُنادِ مِنْ مَكانٍ قَرِيبٍ} كما جاء فى سورة ق، فيهبّ الناس من رقادهم.

ويقول أبو العلاء إنهم يسمعون النداء أو الصيحة بآذانهم، ويستلهم مثل قوله تعالى: {وَكُلَّ إِنسانٍ أَلْزَمْناهُ طائِرَهُ فِي عُنُقِهِ وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ كِتاباً يَلْقاهُ مَنْشُوراً.} وما يلبث أن يقول ليت العقاب يوم القيامة كان تحريقا يصبح العصاة به رمادا أو حمما فيستريحون، ولكنه عذاب خالد، وقد تكرر ذلك فى القرآن كثيرا مثل: {أُولئِكَ أَصْحابُ النّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ.}

ولعل فى ذلك ما يسقط كل ما قاله عنه بروكلمان فى ترجمته له من أنه كان لا يعترف برسالة الإسلام وأيضا ما قاله بعض المعاصرين عنه من أنه كان منكرا للنبوات جاحدا بالرسالة المحمدية، وكيف يقال عنه إنه كان يجحدها، وله قصيدة رائعة فى مديح الرسول صلى الله عليه وسلم ختمها بقوله بعد إشادة رائعة به وبرسالته النبوية:

فصلّى عليه الله ما ذرّ شارق ... وما فتّ مسكا ذكره فى المحافل

واقترن ذلك عنده-كما مر بنا-بالزهد والتقشف وهو فيهما يصدر عن الإسلام وروحه، وحقا كان متشائما تشاؤما عميقا يملأ حنايا نفسه، ولكن كان لا يزال يومض له بريق الأمل فى رحمة ربه وعفوه، يقول:

وما أنا بائس من عفو ربّى ... على ما كان من عمد وسهو

وذهب بعض المعاصرين إلى أنه اتخذ العقل إماما له، لا يثق ولا يستسلم ولا يلقى مقاليده إلا إليه، لمثل قوله:

كذب الظنّ لا إمام سوى العق‍ ... ل مشيرا فى صبحه والمساء


(١) اللمم: الذنوب الصغيرة
(٢) الحمم: ما أحرق من خشب وغيره

<<  <  ج: ص:  >  >>