للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

العامية، ومما يلقانا من طرائفها قول جوبان بن مسعود الدمشقى المتوفى فى حدود سنة ٦٨٠ للهجرة (١):

أفارقه وأول إنى قد انسلّيت ... وريحت قلبى وزال الهم واتخلّيت

واذكر مساويه فى حقى إذا ولّيت ... وإذا رجع نسيت الكلّ واتخلّيت

والتورية واضحة فى كلمة «واتخلّيت» المكررة قافية للبيتين، والأولى من التخلّى بمعنى أنه أصبح خاليا من الهم والغم، والثانية كلمة عامية من الخلل، تقول العامة أصابه خلل واختل عقله. ويريد أنه إذا لقى صاحبته أصابه ذهول، فنسى كل ما كان فيه من فكر فيها وسلوى عنها وبعد عن الهم.

ونلتقى بمعاصره عز الدين بن السويدى المتوفى سنة ٦٩٠ وهو من سلالة سعد بن معاذ الأوسى سيد قومه الصحابى الجليل. وكان شيخ الأطباء بدمشق، وكان-كما يقول بعض من ترجموا له-من أسرع الناس بديهة فى قول الشعر وأحسنهم إنشادا، وله مواليا (٢):

البدر والسّعد ذا شبهك وذا نجمك ... والقدّ واللّحظ ذا رمحك وذا سهمك

والبغض والحب ذا قسمى وذا قسمك ... والمسك والحسن ذا خالك وذا عمك

فصاحبته تشبه البدر ونجمها أو حظها السعد، وقدها مستو ممشوق مثل الرمح ولحظها فاتك قاتل مثل السهم، والبغض قسمها ونصيبها والحب قسمه ونصيبه، والمسك خال الحسن على وجنتيها والحسن يعم كل أعضائها وفى كلمة «عمّك» تورية واضحة. وله مواليا أخرى فكهة:

ذى قايله لاختها والقصد تسمعنا ... ما النحو؟ قالت لها: نحنا بأجمعنا

الرفع والنصب نا وانتى ومن معنا ... للجر، والزوج حرف جاء للمعنى

والدعابة للنحو والنحاة واضحة، وكلمة نحنا هى نحن بالفصحى. ونظم أصحاب المواليا فى جميع أغراض الشعر من غزل ومديح وهجاء وخمر وطبيعة، واستغلّها المتصوفة فنظموا مواليات كثيرة. ونلتقى فى ديوان عبد الغنى النابلسى بنحو ثمانين مواليا نكتفى منها بقوله (٣):


(١) فوات الوفيات ١/ ٢١٨
(٢) راجع فى هذه المواليا وتاليتها المنهل الصافى لابن تغرى بردى ١/ ١٢٧
(٣) ديوان الحقائق للنابلسى ص ٢٦٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>