للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وتنشط بها الدراسات البلاغية منذ ابن سنان الخفاجى إلى عبد الغنى النابلسى فى بديعيتيه المشهورتين. وتعنى الشام بالقراءات ويشتهر بها فى القرن الثانى الهجرى أحد القراء السبعة، ويتصل فيها هذا النشاط من أيامه إلى أيام ابن الجزرى فى القرن التاسع الهجرى. وينشط بها التفسير وتؤلف فيه كتب نفيسة، كما تنشط دراسة الحديث النبوى ويتكاثر حفاظه النابهون، وبالمثل تنشط دراسة المذاهب الفقهية الكبرى، ويشتهر فيها غير إمام مثل النووى الشافعى وابن تيمية الحنبلى، وتكون الغلبة بين الكلاميين للمذهب الأشعرى. وتنشط الكتابة التاريخية بجميع صورها من سيرة مفردة إلى تاريخ الدول أو دولة معينة وتاريخ المدن وخاصة دمشق وحلب والتراجم أو كتب الرجال والطبقات فى مختلف العلوم والمذاهب والأدب والأدباء.

وكانت الشام قد أخذت فى التعرب قبل الإسلام لا على الحدود بينها وبين الجزيرة العربية حيث كان يقيم النبط والغساسنة بعدهم فحسب، بل أيضا فى داخل البلاد الشامية، وفيها وعلى الحدود كان العرب يحيون حياة الروم البيزنطيين، وكانوا يدينون بدينهم المسيحى. وكان ذلك سببا قويا فى أن يتم تعرب الشام سريعا بعد الفتح الإسلامى، وأن تصبح العربية لسان سكانها جميعا مسلمين ومسيحيين. ولم يكن للشام نشاط يذكر قبل الإسلام فى الشعر، حتى إذا هاجرت إليها القبائل القيسية النجدية المشتهرة بالشعر أخذ يكثر على ألسنة أهلها، وطوال عصر بنى أمية كان يفد عليها شعراء الحجاز ونجد والعراق وشارك غير خليفة فى نظم الشعر مثل يزيد بن معاوية والوليد بن يزيد بن عبد الملك، ويظل للشام نشاطها فى الشعر طوال عصر الولاة والدولتين الطولونية والإخشيدية إذ يلقانا للشام غير شاعر نابه مثل أبى تمام والبحترى. وينشط الشعر فى القرن الرابع وخاصة فى حلب وبلاط سيف الدولة، على نحو ما يصور ذلك الثعالبى فى اليتيمة.

ويظل نشاط الشعر مطردا ويخص العماد الأصبهانى شعراء الشام فى القرن السادس بثلاثة أجزاء من كتابه الخريدة. وتزخر كتب التاريخ والتراجم بشعراء الشام فى القرن السابع الهجرى وما بعده.

ويكثر الشعر الدورى والرباعيات كما تكثر الموشحات ويشتهر بالنظم فيها أيدمر المحيوى والمحّار الحلبى، وبالمثل البديعيات والتعقيدات، ويروج سوق المديح رواجا كبيرا على نحو ما نجد عند ابن الخياط وابن القيسرانى وابن الساعاتى والشهاب محمود ومنجك. وتدبّج صفحات زاهية لشعراء الحكمة والفلسفة من مثل أبى العلاء المعرى ومنصور بن مسلم وابن الجزرى. ويكثر شعراء التشيع من مثل كشاجم وابن حيّوس وبهاء الدين العاملى.

ونلتقى بطوائف كثيرة من الشعراء، وأول طائفة تلقانا منهم شعراء الغزل وما يثير فى النفوس من

<<  <  ج: ص:  >  >>