للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كبرى إلى اليوم، وينشئ بها صلاح الدين الأيوبى خمس مدارس، ويتبارى خلفاؤه الأيوبيون والمماليك فى إنشاء المدارس بها والإكثار منها حتى ليقول ابن بطوطة الذى زار مصر سنة ٧٢٦ إن أحدا لا يستطيع أن يحيط بحصرها لكثرتها، وكانت المساجد والجوامع -وخاصة الجامع الأزهر-تنافس المدارس فى هذه الحركة العلمية، وكانت مصر قد ظلت ملاذا لعلماء العالم العربى غربا وشرقا، وخاصة بعد استيلاء النورمان على صقلية والإسبان على مدن الأندلس وبعد غزو المغول لمدن إيران والعراق، وأيضا فإنها أصبحت الحامية للثقافة الإسلامية والعربية. وفى كل مجال يلقانا علماؤها فى الفلسفة وعلوم الأوائل من الرياضيات والطبيعيات والطب والجغرافيا، وينهض فيها العلماء باللغة والنحو منذ أوائل القرن الرابع الهجرى وتصبح لها مدرسة نحوية يلمع فيها غير نحوى كبير منذ الدولة الأيوبية، ويكثر فيها علماء البلاغة والنقد منذ ابن وكيع التنيسى فى القرن الرابع الهجرى، ويتكاثر بها علماء القراءات والتفسير والحديث النبوى والفقه بمختلف مذاهبه الكبرى وعلم الكلام، ويؤرّخ لكل علمائها الأعلام فى العلوم جميعا تأريخا دقيقا. وتنشط الكتابات التاريخية نشاطا واسعا فى السيرة النبوية العطرة والتاريخ العام وتاريخ مصر ودولها وتاريخ المدن وخاصة القاهرة والإسكندرية وتاريخ الرجال والعلماء من كل صنف وتاريخ الشعراء والأدباء.

وتأخذ مصر فى التعرب منذ الفتح الإسلامى، ويدخل كثير من أبنائها فى الدين الحنيف، وحتى القبط أو-بعبارة أدق-جميع من بقى منهم على دينه المسيحى يأخذون فى التعرب ويتم تعربهم فى القرن الثالث الهجرى. ويتصل نشاط الشعر فى مصر، ويظل محدودا زمن بنى أمية، وزارها فى أيامهم بعض الشعراء من نجد والحجاز والعراق، ويتسع نشاط الشعر بمصر فى زمن ولاة العباسيين أو يأخذ فى النشاط، ويصبح لها شعراء نابهون مثل المعلّى الطائى، وينزلها أبو نواس لمديح الخصيب والى الخراج فيها، كما ينزلها أبو تمام لمديح ولاتها ويظل بها فترة. ومن شعرائها فى النصف الأول من القرن الثالث ذو النون المصرى الإخميمى مؤسس التصوف، ويشتهر بها فى بواكير أيام الدولة الطولونية الجمل الأكبر الحسين بن عبد السلام. ويبدو أن الشعراء تكاثروا فى عهد هذه الدولة، يدل على ذلك أنها حين انتهت فى أواخر القرن الثالث بكاها منهم كثيرون حتى ليقول المقريزى إنه رأى كتابا به اثنتا عشرة كراسة بأسماء الشعراء الذين بكوها، ويعلق على ذلك قائلا: إذا كانت أسماء الشعراء فى اثنتى عشرة كراسة فما مقدار شعرهم؟ ثم يقول إنه لا يوجد لأحدهم الآن ديوان واحد،

<<  <  ج: ص:  >  >>