للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قطعانهم من الإبل والغنم على الزروع وهم يخرّبون المنشآت والقصور ويقتلعون الأبواب ويقدمونها وقودا للنار. وحقا قد يكون ابن خلدون مسرفا فيما وصف به القبيلتين المذكورتين من النهب والسلب وتخريب العمران ولكن من الحق أيضا أن أعراب هاتين القبيلتين لم يكونوا مثل عرب الأجيال العربية الأولى الذين فتحوا بلدان الدولتين الساسانية والبيزنطية وأقاموا دولة الإسلام الكبرى المجيدة، إذ لم يكونوا جيوشا نظامية، وكانوا بدوا لا صلة لهم بالحضارة، ولم يكن لهم فى هجرتهم إلى المغرب لا هدف دينى ولا هدف قومى، كما كان الشأن فى فتوح العرب الإسلامية الكبرى وقد نازلهم المعز بن باديس فى مكان يسمى حيدران بالقرب من قابس ودارت عليه الدوائر ودخلوا القيروان سنة ٤٤٦ ونهبوها وخرّبوها، واضطر أن ينسحب منها إلى المهدية عاصمة الفاطميين بالقرب منها وبها توفى سنة ٤٥٤ للهجرة. وظل هؤلاء الأعراب سادة القسم الأكبر من إفريقية التونسية وسادة طرابلس إلى عهد الموحدين فى القرن السادس الهجرى.

وقد تحولت برقة منذ هجرة بنى سليم إليها فى أواسط القرن الخامس الهجرى من حياتها المستقرة فى المدن الشمالية والواحات الداخلية إلى مشيخات بدوية لبنى سليم واستحالت فى جميع أجزائها إلى مراع واسعة، وظل ذلك فترة طويلة نحو مائة عام، بل تزيد وكانت فى أثناء ذلك تدين بالولاء لمصر، وانشغل حكامها عنها بالحروب الصليبية وتزعزع هذا الولاء فى أواخر زمن الدولة الفاطمية لهذا السبب. ونرى صلاح الدين الأيوبى حين قضى على تلك الدولة يفكر فى برقة وفرض ولاء مصر عليها وعلى إفريقية التونسية، ويكلف بهذه المهمة ابن أخيه المظفر تقى الدين، فتستولى فرق أو كتائب من جيشه على أجزاء من برقة ويعهد إلى اثنين من قواده-ربما بمشورة صلاح الدين-بإتمام هذه المهمة، هما إبراهيم بن قراتكين وقراقوش، أما ابن قراتكين فتوغل فى أوائل العقد الثامن من القرن السادس فى ليبيا، ومضى حتى بلغ قفصة فى إفريقية التونسية، واتخذها مقرا له، واستقر بها إلى أن فتكت به دولة الموحدين المغربية سنة ٥٨٣ ودخلت قفصة فى حوزتهم. وأما قراقوش فقد مضى إلى أوجلة فافتتحها، وتقدم إلى فزّان فاستولى على عاصمتها زويلة من بنى الخطاب واتجه إلى الشمال واستولى على طرابلس سنة ٥٧٩ فترة وتقدم فاستولى على قابس، ومنه استردها الموحدون بعد استردادهم لقفصة من ابن قراتكين سنة ٥٨٣ مما اضطره إلى إعلان طاعته لهم، غير أنه عاد إلى العيث والإفساد واضعا يده فى يدى ابنى غانية على ويحيى حين عاثا فى إفريقية التونسية ضد الموحدين، وبعد مغامرات شتى مع من انضم إليه من بنى سليم قتل سنة ٦٠٩ للهجرة، وظلت برقة بعده موالية لمصر طوال العصر الأيوبى، واطرد ولاؤها فى زمن المماليك، ونرى الظاهر بيبرس سلطانهم (٦٥٨ - ٦٧٦ هـ‍) بطل موقعة عين جالوت ضد التتار الذى دفع سيولهم عن الشام إلى غير

<<  <  ج: ص:  >  >>