للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والعاشق لا يصدق فى عشقه إن نام. ويتمنى وصل صاحبته، ويقول ما أشبهه بالأحلام يراها الوسنان فى نعاسه، ويقول إن كانت أيام لنا لم تسمح بالوصال فعسى أيام أخرى تسمح باللقاء. وكان يعاصره محمد بن طلبة وسنفرد له ترجمة. ويقول المختار (١) بن محمد الحسنى من شعراء القرن الثالث عشر الهجرى:

شأن المحبين أن يبكوا وأن يقفوا ... بين المنازل فابكوا بينها وقفوا

ما فى البكاء بها عار ولا سرف ... بل البكاء على غير الهوى سرف

إن لم تكن عبرات العين واكفة ... فيها ففى أىّ دار بعدها تكف (٢)

والعين ما برحت من فيض عبرتها ... إنسانها يختفى طورا وينكشف

تصمى القلوب بسهمى لحظها عرضا ... إن القلوب لسهمى لحظها هدف (٣)

وهو يقول لصحبه إن عادة المحبين إذا ألموا بديار محبوباتهم أن يستوقفوا الركب ويبكوا فقفوا وابكوا فى منازل صاحبتى، وإن لم تسل عبراتى، ففى أى دار غير دارها تسيل وإن عبراتى لتهمى حتى ليختفى إنسان عينى وراءها تارة، وتارة ينكشف، وإنها لتصيب القلوب بسهام لحظها دون قصد حتى لكأن القلوب دائما لها هدف. ويقول محمد (٤) بن حنبل الحسنى المتوفى سنة ١٣٠٢ هـ‍/١٨٨٥ م:

اسكبى الدمع واهجرى النوم عينى ... صرمت حبل الوصل أمّ حكيم (٥)

تلك من جرّعت فؤادى كئوسا ... من هواها تبيتنى كالسّليم (٦)

لا تظنّ الظنون أنّ مقامى ... بالينيبيع لا طلاب العلوم

بل لغربيّة تهبّ عشيّا ... بشذاها فأشتفى بالشّميم

وأرى عين من رآها فأطفى ... لهب الوجد من حشاى الكليم

وهو يطلب من عينه أن تسكب الدمع مدرارا وتهجر النوم هجرانا، فقد قطعت أم حكيم ما كان بينها وبينه من وصل، ويقول إنها جرعته كئوسا من حبها جعلته يبيت طوال الليل كالملدوغ. ويذكر أنه ينبغى أن لا يظن أحد أن مقامه فى جوارها بالينبوع من أجل طلب العلوم، وكان شغوفا بها، إنما هو من أجل استرواح الريح الغربية التى تحمل عطر أم حكيم فيشتفى بها أو ليرى عين من رآها فيطفئ نار الوجد المشتعلة فى حنايا أحشائه. ونتوقف قليلا إزاء بعض شعراء الغزل.


(١) الشعر والشعراء فى موريتانيا ص ١٠٣.
(٢) واكفة من وكفت تكف: تسيل.
(٣) تصمى: تصيب.
(٤) الشعر والشعراء فى موريتانيا ص ١٠٥.
(٥) صرمت: قطعت.
(٦) السليم: الملدوغ.

<<  <  ج: ص:  >  >>