للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فانتقض الوجوب فى حقهم أصلا.

ببينة وهو الإشكال أن الأمر بالفعل يقتضى الفعل لا محالة هذا الطريق صار موجبا للفعل على ما سبق بيانه وعلى ما قلتم لا يكون موجبا للفعل لأنه لا يكون مقتضيا للفعل لا محالة لأنه إذا جاز التأخير ولم يتضيق عليه فى وقت ما فلا وجوب وأن تضيق عليه فى وقت ما فلا يكون ذلك التضييق على العموم فى حق المكلفين فإنه أن يضيق فى حق من يغلب على ظنه لا يتضيق فى حق من لا يغلب على ظنه ويموت بغتة فلا يكون الأمر مقتضيا للفعل لا محالة فينتقض الوجوب.

والحرف أن الأمر إذا أوجب الفعل على العموم فلا يجوز أن يكون علامة الوجوب إلا على الأمر وأما حجة القائلين بالتراخى وهو الأصح فدل أولا أنه ليس فى لفظ قوله افعل دليل على صفة الفور والتعجيل فنقول قوله افعل صيغة موضوعة لطلب الفعل ولا تقتضى إلا مجرد طلب الفعل من غير زيادة كسائر الصيغ الموضوعة للأشياء فإنها لا تفيد إلا ما وضع لها ولا يفيد زيادة عليها وأقرب ما يعتد صيغة طلب الفعل فى المستعمل بصيغة الخبر عن الفعل الماضى ثم لو أخبر عن فعل فى الماضى لم يدل الخبر عن الفعل إلا على مجرد الفعل ويكون خبر الفاعل عن الفعل بعد فعله بمدة قرينة على وجه واحد كذلك هاهنا وهذا لأن قوله لغيره افعل ليس فيه تعرض للوقت بوجه ما وإنما هو مجرد طلب الفعل وليس فيه دليل على وقت متقدم وعلى وقت متآخر ولا يجوز أن يدل اللفظ على ما لا يتعرض له اللفظ وهو دليل على التقييد وهذا لا يجوز كيف وقد جعلوا تقييد المطلق نسخا له فى كثير من المسائل على ما عرف من مذهبهم إيقاع الفعل فحسب إلا أن الزمان من ضرورته لأن الفعل من العباد لا يصير موقعا إلا فى زمان فصارت الحاجة ماسة إلى الزمان ليحصل الفعل موقعا والزمان الأول والثانى والثالث فى هذا المعنى وهو حصول وقوع الفعل واحد وإذا استوت الأزمنة فى هذا المعنى بطل التخصيص والتقييد بزمان دون زمان وصار كما لو قال افعل كذا فى أي زمان شئت فهذه الدلائل من حيث بيان أن الأمر لا يقتضى التعجيل بلفظه ثم يدل على أنه لا يقتضى التعجيل بفائدة فنقول لو كان يقتضى التعجيل بفائدته لكان يقتضيه من حيث أن الأمر يفيد الوجوب ولا يتم الوجوب مع القول بجواز التراخى وهذا لا يصح لأن الفعل يجوز أن يكون واجبا على المكلف وأن كان مخيرا بين فعله فى أول الوقت وفعله فيما بعده فيجوز له التأخير ما لم يغلب على ظنه فواته.

<<  <  ج: ص:  >  >>