للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مجيء جملة الحال بغير واو:

هذا الباب: أنَّكَ ترَى الجملةَ قد جاءتْ حالاً بغير "واو" ويَحْسُن ذلك١، ثم تَنظرُ فترَى ذلك إنما حَسُنَ من أجْلِ حرفٍ دخلَ عليها. مثالُهُ قول الفرزدق:

فَقُلْتُ عَسى أنْ تُبْصريني كأنَّما ... بنِيَّ حَواليَّ الأسودُ الْحَوَارِدُ٢

قولُه: "كأنما بَنيَّ" إلى آخرهِ، في موضعِ الحال من غَيْرِ شُبْهة، ولو أنك تَرَكْتَ "كأن" فقلتَ: "عسى أن تُبصريني بَنِيَّ حَواليَّ كالأَسود"، رأيْتَهُ لا يَحْسُنُ حُسْنَه الآن٣، ورأيتَ الكلامَ يقتضي "الواو" كقولكَ: "عسى أن تُبْصريني وبنيَّ حواليَّ كالأسود الحوارِد".

٢٣٩ - وشَبيهٌ بهذا أنك تَرى الجملةَ قد جاءتْ حالاً بِعَقِب مفردٍ، فلَطُفَ مكانُها، ولو أنك أَردْتَ أن تَجْعلها حالاً من غيرِ أنْ يَتقدَّمها ذلك المفردُ لم يحْسُن، مثالُ ذلك قولُ ابنِ الرومي:


١ في "س"، "فحسن ذلك"، وفي نسخة عند رشيد رضا: "فيحسن ذلك".
٢ في ديوانه، وروايته "الأسود اللوايد"، وهي أصح الرواتين، وأولاها بهذا الشعر.
ورواية أكثر كتب البلاغة كما هنا، وأيضًا رواية الديوان: "فإني عسى"، وهي أبيات ثلاثة يقولها الفرزدق لأمرأته طيبة بنت العجاج المجاشعي، وقالت له: ليس لك ولد، وإن مت ورثك قومك! فقال لها:
تقول: أراه واحدًا طاح أهله ... يومله في الوارثين الأباعد
فإن عسى .................. ... ...................
فإن تميمًا قبل أن يلد الحصى ... أقام زمانًا وهو في الناس واحد
و"الحوارد"، الغضاب. و "اللوابد" جمع "لابد"، وهو الأسد. و "اللبدة"، وهو الشعر اللابد على زبرته. و "تميم" هو أبو القبيلة التي منها الفرزدق، و "الحصى"، العدد الكثير، شبه في الكبير بالحصى.
وفي هامش المخطوطة "ج"، ذكر البيت الثالث: "فإن تميمًا .... ".
٣ في المطبوعة وحدها: "حسنه في الأول".