للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مكّن انقلاب (١٩٠٨ م) للاتحاديين، ومن ثمّ لكل التيارات الخفية والعلنية التي كانت خلفها ومعها، وبدأت مرحلة حاسمة دولية خطيرة، وكان منها العاصفة الخطيرة التي وقعت في تركيا بعد انتصار تيار التغريب داخل الاتحاديين والدعوة إلى الطورانية أو القومية التركية على حساب الإِسلام، والعجيب أن المُنَظّرين الكبار لهذا الأمر كانوا من اليهود (١).

وتفترض هذه الحال الجديدة اقتلاع تركيا من الأمة الإِسلامية، وهنا يأتي دور القضاء على التعليم الإِسلامي، وتأسيس تعليم علماني يخدم الهدف الخطير في تأسيس مجتمع جديد غير مرتبط بالأمة الإِسلامية، وهذا سيكون من مهمة دولة "الاتحاديين"، ثم دولة "الكماليين"، والتي ستصبح نموذجًا يُتغنى به في كثير من البلدان الإِسلامية، وتتم المحاولات المختلفة إلى الاحتذاء به وتقليده، ليكون أول نموذج علماني يصل في تطرفه أحيانًا مراحل لم تصلها علمانية أوروبا، ويكون أول نموذج وطني كما يُقال؛ لأنه من وضع جمعية وطنية بخلاف التعليم في مصر وتونس والجزائر والهند المحتلة فهو من قبل الإِنجليز والفرنسيين، فإنه إن وجد تعليم علماني تغريبي فهو تحت الاحتلال، أما النموذج التركي فهو في الظاهر من وضع الوطنيين لا المستعمرين. وسيأتي حزب إسلامي بعد ما يقرب من ستين سنة "حزب النظام الوطني" ليكون من عناصر برنامجه حول التعليم "أن نظام التعليم في تركيا فاسد، وضعته شرذمة من الحاقدين، من الصليبيين واليهود، بشكل لا يناسب الأمة فهو يسقط من حسابه كل قيمة معنوية أو أخلاقية أو دينية، غايته فصل تركيا عن ماضيها الإِسلامي، وسلخها عن دينها وقيمها، وبهذه الطريقة يستطيعون أن يقتلوا الجيل ويدمروا البلاد، لقد مرَّت خمسون سنة، ونحن نسمع أن تركيا جزءٌ من أوروبة، وأن النهضة لابدّ أن تقوم على أنقاض الدين كما حصل في الغرب متناسين أن الإِسلام يختلف عن الكنيسة، ودولة القس. ." (٢)، ففي هذه الشكوى نجد حجم ما فعله المتغربون المنتفعون من الماسونية في إفساد التعليم".


(١) حول دور اليهود في تأصيل الطورانية انظر: محمَّد رشيد رضا ودوره في الحياة الفكرية والسياسية، د. أحمد الشوابكة ص ٢٠١.
(٢) تاريخ الدولة العثمانية، الصلابي ص ٥٣٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>