للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ارتباطها بهم (١)، وهناك من يذكر أسماء مشهورة في الواقع المصري آنذاك على أنها كانت ذات صلة بالسيمونيين ومتأثرة بهم (٢). ومع الإقرار أن مشاركاتهم خدمت الجانب الدنيوي في مصر مما يجوز أخذه عن غير المسلمين، إلا أن القوم لم يكونوا فقط أصحاب مساعدات مادية بقدر ما كانت تختفي خلف تلك الانجازات المادية أهداف فكرية يراد بحسب الممكن زراعتها في تربة مصر، وربما من أخطرها إعطاء العلم المادي والصناعة المكانة المميزة في حياة البشر حتى على حساب الدين، بل إن المشروع الفكري لهم يتضمن إقصاء الدين وإحلال العلم العصري مكانه، وقد كان تصورهم أن وجود العلم والصناعة سيقضي حتمًا على الإقطاع والدين والميتافيزيقا، فلا يشترط إعلان العداء للدين، بل يكفي نشر الصناعة والعلم وذلك العمل كفيل بإزاحة الدين عن المجتمع.

لقد كانت هذه الفكرة من سيئات التيارات الفكرية الحديثة في أوروبا، ولاسيما تلك التي ظهرت في القرن الثاني عشر/ الثامن عشر، حيث تؤكد أن سعادة البشرية هي في العلم والصناعة والتقدم المادي، وأن العناية بها سيكفل لتلك المجتمعات التخلص من الدين، وسيكون العلم بديلًا عن الدين ويلبي الحاجات الإنسانية التي كان يقدمها الدين، وقد نمت هذه الفكرة بعد انتصار الثورة الفرنسية وفرض العلمانية، ثم انتفاشة التيارات المادية والوضعية، ولكن هذه المقولة بدأت تفقد بريقها وأنصارها في القرن الرابع عشر/ العشرين نتيجة أحداث سياسية مخيفة وكشوفات علمية جديدة، وتطورات فكرية تؤكد أن البشرية لا تستطيع العيش دون دين وإن تقدمت ماديًا وعلميًا (٣).

ومن مصائب العالم الإِسلامي أنه وقت طلبه التحديث والنهضة احتك بأوروبا وقت انتشار مثل هذه الأفكار وتحمس دعاتها لنشرها في كل مكان يستطيعون الوصول إليه، وكان أشهرها في تلك المرحلة، ولاسيما داخل العالم الإِسلامي أتباع "سان سيمون"، فكان لدخولهم على خط نهضتنا ومحاولتنا الإصلاح والتحديث أثرها على مشروعات العالم الإِسلامي؛ لأن من يقوم بتلك


(١) انظر: النهضة والسقوط. . . . ص ١٦٣.
(٢) انظر: المجلة السابقة (الفكر العربي) ص ١٥٢ - ١٥٣.
(٣) انظر: الفصل الأول ص ٣٠٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>