للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يعرف "التغريب" بأنّه: "تيار فكري ذو أبعاد سياسية واجتماعية وثقافية وفنية، يرمي إلى صبغ حياة الأمم بعامة، والمسلمين بخاصة، بالأسلوب الغربي، وذلك بهدف إلغاء شخصيتهم المستقلة وخصائصهم المتفردة وجعلهم أسرى التبعية الكاملة للحضارة الغربية" (١). وقد كانت المعارف الحديثة والعلوم العصرية وسيلة مميزة لدخول هؤلاء في بنية الصراع الاجتماعي داخل العالم الإِسلامي، ثم اتسع وجودهم مع وقوع الاستعمار الذي أخذ بأيدي هذا التيار ليصنع منهم قوة كبيرة، ظهرت أولًا في جماعات سرية وأحزاب علنية، ووصلت فيما بعد إلى رأس السلطة أو كانت أهم المشاركين فيها، أبرز صورها الصارخة والحادة: "جمعية الاتحاد والترقي" التي حكمت تركيا وألغت الخلافة، ثم ألغت المؤسسات الدينية وسعت إلى إلحاق المجتمع التركي بالغرب في أشدّ أنواع عمليات التغريب المعاصرة غلوًا وتطرفًا (٢)، وكانت القيادات التغريبية الأخرى التي تفردت بالسلطة أو كانت مشاركة تقود مجتمعات بلدانها بصُوَر متباينة -من بلد لآخر- نحو التغريب.

كانت أوضح صورة في القسم العربي من العالم الإِسلامي ما عرفته مصر؛ حيث تضافرت مجموعة أسباب جعلت من مصر مركز تجمع لطائفة من المتغربين، ومن بين أفضل من يحدثنا عنهم الدكتور "محمَّد محمَّد حسين"، حيث ذكر أن قوام هذا الاتجاه عدد من أصحاب الثقافة الأوروبية الذين كان يسميهم خصومهم وقتذاك بالمتفرنجين، وقسمهم إلى قسمين:

بعضهم من الشاميين النصارى الذين استقروا في مصر، وكانوا موزعين بين النفوذ الفرنسي والإِنجليزي، وأداروا أهم صحافة تلك المرحلة، وعرضوا فيها بشكل جذاب الفكر الغربي ودافعوا عنه بكل وسيلة، وقد كانوا أداة مهمة بيد الاستعمار فيما بعد، حيث تم التعاون معهم واستغلالهم. أما القسم الثاني فهم من المصريين وأغلبهم من المسلمين الذين فتنتهم الحضارة الغربية، فرعاهم الاستعمار وسهر على صناعتهم بعد التحول الخطير في الفكر الاستعماري القائم


(١) الموسوعة الميسرة. . . .، عن الندوة العالمية للشباب الإِسلامي ٢/ ٦٩٨، وقد سبق ذكر هذا التعريف في التمهيد.
(٢) من بين أوسع المناقشات والتحليل لحالة التحول في تركيا نجد دراسة، د. سيار الجميل، العرب والأتراك والانبعاث والتحديث من العثمنة إلى العلمنة.

<<  <  ج: ص:  >  >>