للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

على أهمية استنبات فئة من أهل المجتمعات المسْتَعْمرة تقوم بالدور نيابة عن المستعْمِر في تغريب المجتمع (١).

إذا اهتم الاتجاه "السلفي" بالعلوم الشرعية وحث الأمة على طلب النافع فقط من العلوم العصرية، وإذا توجه الاتجاه "العصراني" نحو مشكلات واجهته فبرز بعلاجه المسكن للعلاقة بين الدين والعلم والقائم على التوفيق، فإن "التغريبي" ركز جهده على الآداب والفنون والأفكار والفلسفات بخيرها وشرها، صحيحها وفاسدها، مع تركيز خاص على ما يُصادم الإِسلام لحاجة في أنفسهم، فإذا وقفنا مع دوره في المجال العلمي فقط، فمما نجده:

كان أوائل المتغربين من النصارى غالبًا، ولا نكاد نجد بينهم مسلمًا، ونجدهم أيضًا قد انصرفوا عن الاهتمام بالعلم النافع الذي لا جدال حوله إلى النظريات العلمية في العلوم الرياضية والطبيعية والاجتماعية التي تفتح جدالًا واسعًا، فضلًا عن عدم إمكانية التحقق منها في مجتمع يحاول رفع الجهل عنه. ثم تحولوا مع الأيام إلى مذاهب فلسفية وأيديولوجيات وضعية تدّعي العلمية بسبب انتسابها لتلك النظريات العلمية، ثم زاد هؤلاء درجة بجعل العلم هو المقدم بل البديل عن الدين، فالغرب وجهة التغريبيين لم يتقدم بحسب زعمهم إلا بعد أن أقصى الدين عن الحياة وقدم العلم، وقياسًا على ذلك ينبغي إبعاد العلم عن الدين وأن يتحرك العلم باستقلال تام وكيفما أراد وفق ضوابطه الخاصة فقط.

لقد كشف لنا الفصل الرابع دور النصارى في الصحافة، حيث أشغلوا الساحة الإِسلامية فترة من الزمن بمسائل تنتسب للعلم ويظهر منها معارضة للدين، سواء كان ذلك في باب النظريات العلمية أو مناهج العلوم أو حتى في المكتشفات العلمية وأجهزتها الحديثة. وأبرز الأمثلة على ذلك انشغال التيار التغريبي فترة الاستعمار البريطاني لمصر بنظرية غريبة هي الدارونية، وكأن الغرب العلمي لا يوجد فيه سوى هذه النظرية، وكأن العلم هو فقط نظرية داروين التطورية والمذهب الداروني القائم عليها. تفرغ قادة التغريب لهذه النظرية


(١) انظر: الاتجاهات الوطنية في الأدب المعاصر، د. محمَّد محمَّد حسين ١/ ٢٥٦ - ٢٦٥، وانظر له أيضًا: الإِسلام والحضارة الغربية، الفصل الثاني: التغريب، وانظر: أسس التقدم عند مفكري الإِسلام، د. فهمي جدعان ص ٣٢٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>