للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فمثل هذا النموذج يعطي صورة مختصرة عن منهجية الاتجاه التغريبي العلموي، فقد أنهى علاقته بالدين من جهة، وربط مشروعه بعلاقة جديدة مع تيارات الفكر الغربية على سبيل التبعية التامة والتقليد الحرفي، وهو عندما يتعامل مع العلوم والنظريات فهي من مركب كبير يأخذه عن الغرب ولكنه يوظفه توظيفًا جديدًا في البيئة الإِسلامية، ومن صور ذلك التوظيف ما نراه من جعل الفلسفات والأيديولوجيات والنظريات الفكرية والعلمية مكان الدين.

وفي هذا الباب نجد تركيز الاتجاه المتغرب على زعمٍ مفاده عدم إمكانية الانتقاء من الحضارة الغربية، فليس أمام المجتمعات الإِسلامية سوى أخذ الغرب بكامله أو تركه بكامله، فدعوى التفريق بين المفيد في الغرب وبين أمراضه دعوى غير ممكنة، ويقول: إنه لا يفهم هذه العقلية التي تفكر بهذه الطريقة (١)، وفي موطن آخر يحلل هذه العقلية التي يصفها بالإصلاحية الإِسلامية والمحافظة عمومًا التي تشطر الحضارة الغربية إلى شطرين: شطر روحي وأيديولوجي، وهو مرفوض؛ لأنه نابع من مصدرين: إما النصرانية أو العلمانية، والعالم الإِسلامي ليس بحاجة لهذا الشطر؛ لأن في الإِسلام ما يغنيه عنه، والعلماني منه مرفوض؛ كونه ضد الإِسلام، أما الشطر الآخر فهو المادي والتكنولوجي والعلمي، الذي يقبل الفكر الإِسلامي (٢)، وهو يقف عكس هذا الموقف تمامًا حيث أعلن الحلول التي اهتدى إليها التي "تقوم على رَكْل كل تراث أخذناه من عصور الانحطاط، الاستفادة من تجارب الحضارات الراقية في تجديد الحياة من كل الوجوه. . . ." (٣).

هذه عينة من الموقف التغريبي، التي تدافع عن التغرب الواسع دون حدود إلا تلك الحدود التي تضعها انتماءات المتغرب الفكرية العلمانية، وهي تعلن بصراحة نبذ الإِسلام وحضارته والارتماء في حضارة الغرب، وهو موقف لا يقول به عاقل، فكل الأمم تتعامل مع غيرها بانتقاء المفيد وترك غيره، وأركز هنا على


(١) انظر: أسئلة النقد، جهاد فاضل ص ٣٠٣.
(٢) انظر: تاريخ الفكر المصري الحديث من عصر إسماعيل. . . .، د. لويس عوض ص ٤٢٦ - ٤٢٧.
(٣) أوراق العمر ص ٤٧٤، عن لويس عوض -الأسطورة والحقيقة، د. حلمي القاعود ص ٤٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>