للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فقد كانت الدارونية هي مصدره الأهم، يقول أحد المتخصصين في فكره: "فمن المؤكد أن المصدر الأوّل لآرائه وأطروحاته الفكرية والاجتماعية هو في الفكر المادي الغربي والمدرسة الدارونية" (١). وعبر المقارنة بين الحضارتين -الإِسلامية والغربية- وجد "شميل" أن الغرب كان تقدمه بسبب العلم، وكان الفكر المادي في تلك الحضارة أبرز المستغلين لنجاحات العلم وقدم نفسه بأنه "قادر على تقديم مشروع علمي يربط أجزاء الكون في صيغة نظام محكم يقوم على مجموعة قوانين ميكانيكية. . . . "، إلى أن قال: "أسرع الشميل يتبنى من دون تردد مذهب "النشوء والارتقاء" دافعًا به إلى منتهاه المنطقي، مستخرجًا ما وسعه من الأبعاد الفكرية والسياسية والاجتماعية، متجاوزًا بذلك إطاره العلمي الصرف إلى بعده الفلسفي الشامل" (٢)، ويتخذ منه منهجًا لدراسة قضايا الفكر والواقع جميعًا (٣). وإذا كانت حقيقة الدين قائمة على الإيمان بوجود الرب سبحانه؛ فإن "شميل" وحسب الباحث السابق لم يعد يؤمن بهذا الرب، و"أمسى مع تطور حياته واتجاهه في مسار العلم الطبيعي، ضربًا من الوهم، لا مكان له بين حقائق تفكيره" (٤)، فيصبح الاعتراف بأهمية وجود الدين أو وجود حقائق دينية لا مكان له داخل هذا الفكر، ويصبح من الكلام الفارغ الحديث عن تقديم الدين على العلم أو العكس؛ لأن هذا الفكر لا يؤمن بأساس الدين ذاته فكيف يقبل ببقية حقائقه؟! ومن هنا يصبح المقدم هو ما عرفوه من ظاهر الحياة الدنيا وهم عن الآخرة غافلون، وقد وجدوا آنذاك نظرية "داروين" أمامهم جاهزة بما تحمله من مضامين يمكن بها هدم الدين مع فئة ذات خصومة مع الإِسلام، يتناغم ذلك مع اعتقاده بأن الحاسة الدينية آخذة في الضعف وأنها ستزول كلما ارتقت العلوم وازداد انتشارها بين الناس، وقيام الدنيا وصلاحها وتطورها لا يقوم إلا على العلم (٥)، إلى غير ذلك من المبادئ التي يؤصلها شميل للتيار التغريبي معتمدًا بحسب زعمه على العلم، مع أنه إنما يعتمد على مذهب فكري مادي أراد استغلال العلم.


(١) الفلسفة النشوئية وأبعادها الاجتماعية .. ، د. محمود المسلماني ص ٢٢.
(٢) المرجع السابق ص ٢٣ - ٢٥.
(٣) انظر: المرجع السابق ص ٩٧.
(٤) المرجع السابق ص ١٦٧.
(٥) انظر: المرجع السابق ص ١٨٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>