للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

نلاحظ أنّه قدّم المسند إليه المسبوق بالنفي في الشطرين لإِفادة التخصيص مع التقوية والتوكيد، فلخبر فعليٌّ.

والمعنى: إنّ السّقم الذي نزل بجسمي من الهمّ، والنّارَ التي أُضْرِمَتْ في قلبي منه، لم يكونا مني حتى أُلاَم على تأخّري عنك، بل وفَدا عليّ من قوّةٍ قاهرةِ لإِرادتي، فلم أجلُبْهُما ولم اسْتَطع رَدَّهُما، ولذلك قال بعده في القصيدة:

فَلا تُلْزِمَنِّي ذُنُوب الزَّمَا ... نِ إِليَّ أَسَاءَ وَإِيَايَ ضَارا

ضارَ: مثل "ضَرَّ" يقال: ضارَهُ يَضيرُهُ ضَيْراً، وضرَّهُ يضُرُّهُ ضُرّاً وضَرّاً.

ونظيره قول المتنبّي أيضاً يمدح علي بن عامر الأنطاكي:

وَمَا أَنَا وَحْدِي قُلْتُ ذَا الشِّعْرَ كُلَّهُ ... وَلَكِنْ فِيكَ من نَفْسِهِ شِعْرُ

فقدم المسند إليه المنفيّ الذي خبره فعلي، لإِفادة التقوية والتخصيص، أي: ما أنا المنفرد وحدي بقول هذا الشعر، ولكن أعانني عليه شعري نفسُه، لأنّ شعري أرادَ مدحَكَ كما أرَدْتُه.

قال الْعُكْبَري: وهو معنى قول الطائي:

تَغَايَرَ الشِّعْرُ فِيهِ إِذْ أَرِقْتُ لَهُ ... حَتَّى ظَنَنْتُ قَوَافِيهِ سَتَقْتَتِلُ

تَغَايَرَ: أي: غار بعضه من بعض، أو تخالَفَ بعضه مع بعض.

***

المثال التاسع:

قول الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يوم حنين وهو على بغلته كما جاء عند البخاري ومسلم:

أَنا النَّبِيُّ لاَ كَذِبْ ... أَنَا ابْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبْ

فقدَّم المسندَ إليه في جملة اسمية خبرها يحملُ ضمير المبتدأ، مفتخراً بثباته

<<  <  ج: ص:  >  >>