للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لعموم المؤمنين، والمطلوب تبليغهم عموم غير المؤمنين، لا خصوص فريق منهم.

وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً: وجاء في هذه العبارة تقديم المعمول {عَلَيْكُمْ} وعلى عامله {شَهِيداً} على خلاف أصل الترتيب، لوجود داعي بلاغيّ لهذا التقديم، وهو أنّ بلاغَ الرسُولِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بلاغٌ مخصوص بالْقَرنِ الأَوَّل الَّذِينَ بلَّغَهُمْ مُشَافهة من أُمَّتِه، أمَّا الَّذِين جاءوا من بعدهم فقد بلَّغهم المبلِّغُون من أهل القرن الأول، وهكذا تسلْسُلاً قَرْناً بعْدَ قرن.

فقد تنبّه إلى الفرق بين العبارتين في هذه الآية وإلى الداعي البلاغي الذي ذكرتُه "الزمخشريُّ" في كشّافه، وقد أحسن.

(٦) قول الله عزّ وجلّ في سورة (مريم/ ١٩ مصحف/ ٤٤ نزول) في بيان ما خاطب به المبشر من الملائكة زكريّا عليه السلام بغلام اسمه يحيى، بعد إن أظهر له تعجُّبه من أن يأتيه غلام في حالة كون امرأته عاقراً وكونه قد بلغ من الكبر عتِيّاً:

{قَالَ كذلك قَالَ رَبُّكَ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ وَقَدْ خَلَقْتُكَ مِن قَبْلُ وَلَمْ تَكُ شَيْئاً} [الآية: ٩] .

هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ: في هذه الجملة تقديم المعمول {عَلَيَّ} على عامله {هَيِّنٌ} لإفادة أنَّ ما يراه أمْراً صعباً في مقاييس القدرات البشرية، هو بالنسبة إلى الله على وجه الخصوص هيِّنٌ، فاقتضى حال زكريَّا عليه السلام وتعَجُّبه وتساؤله أن يُنَبَّهَ على أنَّ ما تعجَّبَ منه هو ممّا اختصَّ الله بِأنَّه هَيِّنٌ عليه.

ملاحظة:

إذا كان العامل منفيّاً وقدّم عليه المعمول كانت دلالة التقديم على التخصيص والحصر أمراً لازماً، فلا يَجُوز أنْ يُتْبَعَ الْكَلاَمُ بما يَنْقُضُ هذا الحصر، فلا يُقالُ نحو: "ما زَيْداً ضَرَبْتُ ولاَ غَيْرَه" لأنّ عبارة "ما زيداً ضربتُ" تدلُّ على تخصيص

<<  <  ج: ص:  >  >>